غرايبة يكتب : دروس من تدمير دولة العراق سابقا لأن التجربة تتكرر

{title}
أخبار الأردن -

 

رحيل غرايبة

إن تدمير دولة العراق، الذي بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي، يحمل دروسًا موجعة لكل الأطراف، على اختلاف مواقفها وتوجهاتها. فإعادة سرد الوقائع بموضوعية قد يكون أمرًا مريرًا، وربما يسارع البعض إلى إنكار الحقائق أو تبريرها، لكن من الضروري التذكير بها، لا بهدف اجترار الماضي، بل لفهم ما يجري حاليًا، لأن ما حدث قد يتكرر، بل من المؤكد أنه سيتكرر بحق أطراف أخرى، إذا استمر الحال كما هو.

قد يرى البعض أن الحديث عن هذه التجربة ليس في وقته، لكن الحقيقة أن الوقت مناسب جدًا الآن، لأن فهم اللحظة الراهنة يتطلب العودة إلى ما سبقها من أحداث.

في البداية...

عندما شرعت الولايات المتحدة، بقيادة جورج بوش الأب، في تنفيذ مشروع تدمير العراق وتجريد جيشه من قوته وصواريخه باستخدام القوة المسلحة، كانت إيران أول المرحّبين، بل وقفت موقف المتفرج الشامت، رغم أنها طالما وصفت الولايات المتحدة بـ"الشيطان الأكبر"، ورفعت شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل"!

أما في المرحلة الثانية من تصفية العراق، بقيادة جورج بوش الابن، فقد شاركت إيران بفاعلية، وساهمت عبر أدواتها من الميليشيات التي سلّحتها ودربتها مسبقًا في تدمير الدولة والنظام والجيش العراقي. ورغم أن لإيران مبرراتها السياسية آنذاك، إلا أن القراءة العميقة للأحداث تقتضي فهماً أوسع وأبعد مدى.

وسوريا أيضًا...

النظام السوري حينها لم يكن بعيدًا عن المشهد؛ بل شارك فعليًا في التحالف الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة، في خطوة ساهمت في تدمير العراق، وكأن النظام لم يدرك أن استهدافه قادم لا محالة.

صحيح أن أنصار النظام السوري سيسارعون لتبرير ذلك، مستندين إلى أخطاء صدام حسين وادّعاء أن سوريا أرادت حماية نفسها، لكن الحقيقة أن مصير العراق لم يكن ليتغيّر حتى لو كان صدام رجل سلام وبراغماتيًا حتى النخاع. الولايات المتحدة كانت ستمضي في مشروع التصفية، وإن لم تجد سببًا، لاخترعته.

مواقف استثنائية...

من بين الدول العربية، وحدها الأردن واليمن والسودان امتنعت عن الانخراط في التحالف الثلاثيني، وعبّرت عن معارضتها علنًا، فدفعت ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا باهظًا.

من هنا، يمكن للقارئ أن يدرك أن التماهي مع المشروع الصهيو–أميركي لم يكن درعًا واقيًا لأصحابه، ولم يحفظ لهم جميلاً. فقد جاء الدور لاحقًا على سوريا، ثم الشعب السوري، وها هو المشروع نفسه يتجه نحو إيران، تحت العنوان ذاته: "تدمير القوة النووية".

وقد دُمّر العراق رغم التأكد من خلوه من السلاح النووي، ودُمّرت منصات الصواريخ، وتمت تصفية العلماء، والعقول العلمية، وكل من ساهم في مشروع القوة العراقية.

وهذا هو السيناريو نفسه الذي يُعاد اليوم مع إيران، خطوة خطوة، حتى لو تخلّت طوعًا عن برنامجها النووي، وحتى لو فاوضت وتنازلت... فالمشروع مستمر.

زبدة القول...

إن جوهر المشكلة يكمن في أن المهادنة والتساوق مع المشروع الصهيو–أميركي لن يوفّرا الحماية لمن ينخرط فيه، بل سيأتي الدور عليهم أيضًا، سواء كانوا من المشاركين، أو الصامتين، أو من اختاروا النجاة الفردية.

المشروع مستمر، وسيطال الجزائر وتركيا ومصر وباكستان، وربما غيرها، إذا بقي النهج ذاته قائمًا: العمل المنفرد، والتفرّج على الضحايا.

وما من سبيل لوقف هذا المشروع إلا عبر بناء قوة مواجهة عربية–إسلامية، تقوم على التحالف، والتنسيق، وامتلاك أوراق القوة، والتخلّي عن الحسابات الفردية.

حتى ولو كانت للضحايا أخطاء جسيمة في الماضي... فإن الصمت لن يكون سبيلًا للنجاة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير