كوارث اجتماعية تجبر الشباب على الانسحاب من مشروع الزواج
قال المستشار التربوي الدكتور محمد حسونة إن ظاهرة المغالاة في متطلبات الزواج تحوّلت إلى معضلة عميقة تُفرغ فكرة الاستقرار الأسري من مضمونها الإنساني والأخلاقي، وتعيد تعريف الزواج بوصفه صفقة مالية مثقلة بالشروط، لا ميثاقًا قائمًا على المودة والمسؤولية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذه الثقافة تُقابل الكثير من الشباب بسقفٍ مادي مرتفع لا يعكس جوهر العلاقة الزوجية بقدر ما يجسّد نزعة المباهاة والضغط الاجتماعي.
وبيّن حسونة أن الشاب المقبل على الزواج، حتى وإن كان مدفوعًا بنية صادقة لتأسيس أسرة مستقرة، يجد نفسه أمام فاتورة مفتوحة تبدأ بالذهب ولا تنتهي عند حدود القاعة والأثاث ونمط الحياة المفروض، الأمر الذي يدفع عددًا متزايدًا منهم إمّا إلى الانسحاب القسري من مشروع الزواج، وإمّا إلى الارتهان لدوّامة القروض والديون في سنواته الأولى، وهي المرحلة التي يفترض أن تكون تأسيسية وآمنة، في وقتٍ تدفع فيه الفتاة ثمن الانتظار الطويل، رغم أن حاجتها الجوهرية تكمن في الأمان والاستقرار لا في الاستعراض الاجتماعي.
ونوّه إلى أن حرص الأهل على مستقبل بناتهم مفهوم ومشروع من حيث المبدأ، غير أن الإشكالية الحقيقية تنشأ عند الخلط بين معايير الكفاءة الأخلاقية والمسؤولية من جهة، ومنطق التعجيز المادي من جهة أخرى، مستطردًا أن الضمان الحقيقي لاستقرار الأسرة لا يُقاس بقيمة المهر أو طول "القائمة، وإنما بمعدن الرجل ووعيه والتزامه الأخلاقي وخوفه من الله، لأن هذه القيم تشكّل السياج الحقيقي الذي يحفظ الحقوق ويمنع الظلم داخل الحياة الزوجية.
وأشار حسونة إلى أن تداعيات هذا الواقع لا تتوقف عند الشاب وحده، إذ تتجاوز ذلك لتطال الفتاة بصورة مباشرة، لتجد نفسها أسيرة انتظارٍ طويل داخل منظومة اجتماعية ضاغطة تُدار باسم العُرف وهاجس "كلام الناس"، موضحًا أن المفارقة تكمن في أن كثيرًا من الفتيات لا يضعن هذه الشروط أصلًا، ولا ينظرن إلى الزواج بوصفه ساحة استعراض أو سباق مظاهر، بقدر ما يبحثن عن الأمان النفسي والاستقرار وبناء حياة متوازنة قائمة على الشراكة والمسؤولية، لا على تضخيم المتطلبات الشكلية التي تُفرغ العلاقة من مضمونها الإنساني.
ودعا إلى إعادة الاعتبار لمعنى الزواج بوصفه شراكة إنسانية قائمة على القيم قبل المظاهر، ومستشهدًا بالحديث النبوي الشريف: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، باعتباره قاعدة جامعة تحفظ التوازن بين الحقوق والواجبات، وتشكّل مدخلًا حقيقيًا للحدّ من أزمات اجتماعية آخذة في التعمّق.

