غنيمات يكتب: كي لا نصبح وقودا للفتنة

{title}
أخبار الأردن -

 

طلال غنيمات

مهما بلغت حدة اختلافاتنا أو اتسع نطاق انتقاداتنا لبعض السياسات، فإن دقة المرحلة الراهنة وتعقيدات المشهد الإقليمي تُملي علينا ضرورة التزام الحصافة والحذر في اتخاذ المواقف، في هذه الظروف، اذ من الأهمية بمكان أن نقدم المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبارات أخرى.

النوايا الطيبة، رغم صفائها، ليست دائمًا كافية لتبرير سلوك قد يخرج عن الإطار الوطني الجامع، بل قد يتحول ـ دون إدراك ـ إلى مدخل للاضطراب أو أداة تخدم مخططات خفية، والمرجح أن هذه المخططات قد تستغل أي فرصة للانقضاض على أمننا واستقرارنا، خصوصًا من القوى التي تترقب أي نقطة ضعف في المنطقة.

إن الحفاظ على أمن الأردن واستقراره وتماسك نسيجه الوطني يجب أن يكون ثابتًا لا يُساوم عليه. فالتفريط في هذه الركائز، حتى وإن جاء بحسن نية، قد يفتح الباب أمام انزلاقات لا تُحمد عقباها. وهذا ليس مجرد تحذير من نتائج قد تكون غير مباشرة، بل دعوة للتفكير بعناية في كل خطوة نقوم بها، بما يضمن بقاء الوطن في دائرة الأمان والاستقرار.

ولست هنا بصدد توجيه اللوم أو الاتهام لأحد، بل أبدأ بنفسي، كما دأبت على محاسبتها وتحذيرها، لأن أخطر الانزلاقات هي التي تأتي ونحن نظن أننا نحسن صنعًا. ففي الكثير من الأحيان، نكون في خضم المواقف والقرارات، نعتقد أننا نتخذ الأفضل دون أن نعي تمامًا تبعات أفعالنا، وقد نكتشف متأخرين أن ما ظنناه نية صافية قد تحوّل إلى أمر غير مقصود يصب في صالح تفرقة المجتمع أو تهديد استقرار الدولة.

الاستقرار الوطني ليس مجرد غاية يتعين تحقيقها، بل هو الأساس الذي نبني عليه حضارتنا وأمننا الداخلي. إنه جوهر كل إنجاز اجتماعي أو اقتصادي نطمح إليه. ولذلك، يجب أن نضع في الاعتبار أن كل خطوة غير مدروسة قد تؤثر بشكل غير مرئي على كياننا الداخلي وعلى صورتنا الخارجية. إذا ما تم التلاعب بهذا الاستقرار من أي طرف، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج يصعب التراجع عنها.

مسؤولية الحفاظ على الاستقرار الوطني لا تقع على عاتق الحكومة فقط، بل هي مسؤولية جماعية. فهي مسؤولية تتوزع على جميع أطياف المجتمع من مؤسسات وأفراد، لأن قوة الوطن تكمن في تماسك شعبه" كل شعبه" في مواجهة الأزمات. وفي ظل التحديات المتزايدة على الصعيدين المحلي والإقليمي، من الضروري أن نتوحد ونتفق على الأولويات المشتركة التي يجب أن نعمل عليها، مسترشدين دائمًا بمصلحة الوطن أولًا وآخرًا.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أهمية الحوار المستمر والشفاف بين جميع الأطراف. فالتواصل الفعّال بين مختلف مكونات المجتمع هو الذي يساعد على التوصل إلى حلول متوازنة بعيدًا عن التوترات والمواقف الملتبسة. ولذلك، يجب أن نعمل على تعزيز ثقافة الحوار البناء بين جميع الفئات داخل المجتمع، لأن هذه الثقافة هي ما سيقودنا إلى تجنب الكثير من المفارقات التي قد تنشأ من سوء الفهم أو غياب التنسيق.

المرحلة الحالية تتطلب منا أن نتوحد حول القيم والمبادئ الأساسية التي تجمعنا، بعيدًا عن الخلافات الثانوية، وفي هذا الإطار، من الضروري أن نضع استراتيجية شاملة لمستقبلنا الوطني تأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نواجهها. فكلما اتحدنا حول الأهداف الكبرى، ستكون لدينا القدرة على تجاوز أي عوائق أو تحديات قد تواجهنا.

وفي الختام، لا يجب أن ننسى أن كل خطوة نخطوها نحو تعزيز الاستقرار هي استثمار في مستقبلنا جميعا، وإذا عملنا معًا على ترسيخ قيم الانفتاح والتفاهم، سيكون بإمكاننا مواجهة التحديات بكل أمل وثقة، دون أن نتخلى عن مبادئنا الوطنية أو نفقد بوصلتنا في بحر الأزمات، والمؤكد هو أن وحدة الصف والتكاتف بين جميع الأطياف هما سر النجاح في تجاوز الأوقات العصيبة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير