الدباس يكتب: هل انتهت الحرب.. أم أبتدأت الهزيمة؟!..

{title}
أخبار الأردن -

  محمود الدباس - أبو الليث..
 

كان يسير على الرمال.. ولا يترك أثراً.. وكلما حاولنا أن نتبعه.. ابتلعنا الفراغ.. ليس لأنه خفيّ.. بل لأنه لم يعد بحاجة ليُخفي نفسه.. فالأبواب كلها مفتوحة.. والألسن تمهد له الطريق.. قبل أن تطأه الأقدام..

الاحتلال لم يعد دبابة تصرخ في الطرقات.. ولا جندياً يغلق مدرسة.. ولا حارساً يعبث بالهويات على الحواجز.. الاحتلال الحديث لا يسرق الأرض.. بل يعيد تشكيل الإنسان..

يبدأ من اللغة.. فيستبدل الكلمات.. من المعاني.. فيلوّنها بأهوائه..
من المفاهيم.. فيلبسها ثوب الحداثة.. وهي عارية من الأصالة..

دخلنا مرحلة جديدة من المعركة.. حيث العدو لم يعد ينتظر اقتحام الحدود.. لأنه ببساطة صار داخل العقول.. بعضهم يدافع عنه.. وهو يظنه يدافع عن نفسه.. وبعضهم يهاجم أخاه.. لأنه اختار أن يبقى ثابتاً على قديمٍ.. أصبح مستنكراً في زمن التفاهة الجديدة..

حين تصرخ أمٌ في المسجد.. ويُطلب منها أن تخفض صوتها.. لأن المكان "مخصص للعبادة فقط".. ندرك أن شيئاً ما كُسر.. وحين نتحرج من آياتٍ نعلقها على جدران مؤسساتنا.. ونخشى أن نُتّهم بـ"الرجعية".. نعلم أن الغزو نجح في أكثر معاقله أهمية..

لقد بدأنا نخسر الحرب.. التي لا يُطلق فيها رصاص.. فالرصاصة اليوم لم تعد في البندقية.. بل في الفكرة التي تُزرع في طفلٍ.. فيغدو يوماً ما.. مشروعَ مُنكَرٍ عابِرٍ للثَّوابِت..

لم يكن هدفهم يوماً.. أن يأخذوا المسجد.. بل أن يفرّغوه ممن يعرف لماذا يُصلي فيه.. لم يكن همّهم أن يحتلوا السوق.. بل أن يجعلوا الحرام فيه بضاعة.. تُسوّق على أنها حرية..

في كل مرةٍ نُعيد تعريف الحلال والحرام بما يناسب عصرنا.. نمنحهم انتصاراً بلا معركة.. وفي كل مرة نُسمّي التنازل "حكمة".. نوقّع وثيقة استسلامنا بأيدينا..

الاحتلال اليوم.. لا يقرع الأبواب.. هو يجلس في صالون بيتك.. يشاهد معك نشرة الأخبار.. ويبتسم حين يراك تستهزئ بمقاوم شريف.. أو تصف فلسطين بأنها "قضية خاسرة".. أو تُفَرّق بين أصل هذا.. ومَنبت ذاك.. او تُشكك في نية مَن لا يُغمٍض عينه حارساً.. ليمنحك وعائلتك الأمان..

الخطر الحقيقي.. ليس فيما يُخططه العدو.. بل فيما توقّفنا نحن عن فعله.. منذ أن خفنا من أن نبدو مختلفين عن القطيع..

ففي زمنٍ تتوقف فيه البنادق.. ولا تتوقف الأكاذيب.. وتغيب فيه المدافع.. وتحضر الهدايا المسمومة.. قد نظن أن الحرب قد انتهت.. بينما الهزيمة تسللت من أبوابٍ.. لم نكن نحرسها.. فليتنا نُعيد تعريف النصر.. قبل أن يُعيدوا هم كتابة التاريخ نيابةً عنّا..
 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير