الأردن وضرورة نهاية سياسات صد الحرج
مالك العثامنة
في قلب الشرق الأوسط المضطرب، يقف الأردن كجزيرة من الاستقرار النسبي (وهو نسبي وليس بالضرورة ثابتا)، مسكونًا بتحديات الداخل ومحاطًا بأزمات الإقليم.
هذا الموقع الجيوسياسي الذي منح الأردن دورًا محوريًا في إدارة ملفات المنطقة لعقود، يضع اليوم أمام القيادة الأردنية معادلة جديدة: كيف يمكن الحفاظ على توازن دقيق وسط بحر هائج من التحولات الإقليمية والضغوط الداخلية المتصاعدة؟
لا يمكن فهم المسار الأردني إلا بإدراك العمق التاريخي للعلاقة الأردنية الفلسطينية، حيث تعتبر الضفة الغربية بوصلة الأحداث الإقليمية. الأردن، الذي لطالما كان الركيزة الأمنية في المنطقة، يجد نفسه اليوم أمام سؤال مُلح: ماذا لو انفجرت الأوضاع في الضفة؟
هذا السيناريو، الذي يتصاعد مع ازدياد التوتر بين الفلسطينيين وإسرائيل، يجعل الخيارات الأردنية محدودة، ويتطلب توازنًا دقيقًا "وسياسيا محترفا" في التعامل مع الملفات الحساسة.
هناك بلا شك كثير من التحولات الراهنة في السياسات الأميركية تجاه المنطقة، ويُدرك الأردن أن الاعتماد على الحلفاء التقليديين بات أقل استقرارًا مما كان عليه في العقود الماضية. فالعلاقات مع الولايات المتحدة، رغم متانتها التاريخية، تخضع اليوم لمراجعات تفرضها التحولات في أولويات السياسة الخارجية الأميركية. من هنا، فإن الأردن يجد نفسه مطالبًا بإعادة صياغة دوره الإقليمي والتعامل بمرونة مع المتغيرات العالمية، لعله يستعيد مكانته كلاعب مركزي، وهي مكانة فقدناها ولا داعي لأن نخدع أنفسنا.
أما في الداخل، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية لا تقل تعقيدًا. الأزمات الاقتصادية المتراكمة، والبطالة التي تزداد تفاقمًا، تمثل تحديًا جوهريًا يواجه الحكومة. هذه الملفات لا تقتصر على أرقام اقتصادية جافة، بل تعكس واقعًا اجتماعيًا ملتهبًا يحتاج إلى معالجة سريعة وشاملة، تتجاوز السياسات التقليدية. الأردن، الذي استطاع دائمًا احتواء التحديات الداخلية، يواجه اليوم ضرورة اتخاذ قرارات جريئة لتأمين المستقبل.
في المحصلة، يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن للأردن أن يحافظ على حضوره المطلوب منه وسط هذه المعادلات المتغيرة؟ السياسة الأردنية، التي نجحت لعقود في "صد الحرج" وتجنب الصدامات الكبرى، قد تحتاج اليوم إلى إعادة نظر جذرية، تضع في اعتبارها المتغيرات المتسارعة على الساحتين الداخلية والخارجية. الأردن اليوم على مفترق طرق جديد، حيث يتطلب المستقبل رؤية واضحة وأدوات مبتكرة للحفاظ على استقراره ودوره المحوري في المنطقة.