في المسألة الاقتصادية الوطنية: ما العمل؟
رعد التل
طال أم قصر عدوان الاحتلال الآثم على الأهل في فلسطين، فإن الأثر على الأردن والمنطقة سيبقى ارتداده حاضراً وملموساً في الأجل القصير والطويل، فماذا نحن فاعلون؟
من المهم والمفيد عدم التسليم للحال الاقتصادي الذي وصلنا إليه، وعدم اتخاذ الأحداث الأخيرة التي أثرت على المنطقة برمتها، كذريعة لتبرير التراجع الكبير بأغلب المؤشرات الاقتصادية وبمعظم المؤشرات الحياتية التي يلمسها المواطن، ومهمة الفريق الاقتصادي الآن وأكثر من أي وقت مضى التفكير بما يمكن عمله –لا أعلم إذا كان هناك أي إجراء فعلي قد حدث- من إجراءات وقرارات مباشرة لتعزيز منعة وقدرة الاقتصاد الوطني على الثبات –أو تقليل الخسارة- والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في ظل التحديات الإقليمية.
الأفكار قد تكون كثيرة، وكما هو معروف فإن الضيق المالي قد يحول دون تنفيذها، لكن الأهم من ذلك هو النظر استراتيجيا واستشرافيا لمآلات الوضع الراهن وآثاره السياسية والاقتصادية على الدولة الأردنية. لذلك أجد لزاما على الحكومة بشكل عام وعلى الفريق الاقتصادي فيها بشكل خاص التفكير ببعض الإجراءات المتعلقة بالطاقة والغذاء والماء والتي يمكن أن تساعد الأردن في تحسين وضعه الاقتصادي والتجاري في ظل هذه الظروف.
ابتداء علينا النظر مليا بخيارات تنويع مصادر الطاقة، ففي ظل التقلبات السياسية والأمنية في المنطقة، يمكن للأردن تقليل اعتماده على استيراد الطاقة من بعض الدول والتركيز على تطوير مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لتحسين الأمن الطاقي. كما أن السعي نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي من خلال العمل على زيادة الإنتاج الزراعي المحلي لتحسين الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات أمر استراتيجي حيوي مهم، خاصة في السلع الأساسية (60 % من السلع الاساسية هي إنتاج أردني)، مما يساهم في تقليل العجز التجاري وتحسين التجارة الإقليمية، والتي بالرغم من كل التحديات، يمكن للأردن تعزيز علاقاته التجارية مع دول الجوار الأخرى التي لم تتأثر بالنزاع، والبحث عن فرص جديدة للتصدير خاصة في أسواق بديلة.
ومن الضروري دعم القطاعات المتضررة كتوفير الدعم المالي والفني للقطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا من النزاعات الإقليمية، مثل قطاع النقل والخدمات، لضمان استمراريتها واستعادة نشاطها الاقتصادي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن تحفيز السياحة الداخلية، والتي شهدت تراجعا مع تراجع السياحة الخارجية بسبب الظروف الإقليمية، سيساهم في دعم الاقتصاد المحلي وتحفيز الاستهلاك المحلي. ومع وقع الاضطرابات في المنطقة وتراجع الاستثمارات الأجنبية في الأردن، بات الحديث عنها غير مجد –في الوقت الحالي- وقد يكون العمل وبذل الجهد باتجاه دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذا جدوى يلمسه الناس بصورة أفضل من انتظار استثمار لمستثمر قد لا يأتي، وعليه فإن تقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة لتحسين قدراتها التصديرية، من خلال توفير التمويل، التدريب، والوصول إلى الأسواق الدولية وتمكين هؤلاء، وخاصة في ظل حالة الركود الاقتصادي التي نشهدها بات لزاماً على الحكومة التفكير به بصورة أكثر شمولا وبتعقيدات أقلّ.
المتمعن في هيكل الصادرات الوطنية وأرقام التجارة الخارجية، يجد أن 6 سلع صناعية استحوذت على 60 بالمائة، من إجمالي قيمة الصادرات الوطنية خلال النصف الأول من العام الحالي، والبالغة حوالي (4 مليارات دينار) متمثلة في الألبسة والأسمدة الكيماوية والحلي والمجوهرات ومحضرات الصيدلة والفوسفات الخام والبوتاس الخام. إن تنويع وتوسيع قاعدة الصادرات الأردنية لتشمل منتجات ذات قيمة مضافة عالية وقطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والخدمات الرقمية، بالإضافة إلى تعزيز القطاعات الحالية كالصناعات الدوائية والزراعية. لاشك سيحسن ظروف التصدير المحلية. فزيادة القيمة المضافة للمنتجات، وتطوير الصناعات المحلية قبل تصديرها. والبحث عن أسواق جديدة لتصدير المنتجات الأردنية خارج المنطقة التقليدية، مثل الدول الأفريقية أو الأسواق الآسيوية الأخرى، وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية، سيزيد من القدرة على المنافسة في الأسواق الدولية.
كما أن تعزيز العلاقات التجارية مع دول الشركاء من خلال اتفاقيات تجارية جديدة أو تحسين الشروط الحالية لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل دخول المنتجات الأردنية، وتبسيط الإجراءات الجمركية وتقليل التعقيدات اللوجستية لتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة سيساعد في تحسين القدرة التنافسية للصادرات الأردنية.
ختاماً، إن الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به المنطة والإقليم ليس بمعزل عن الأردن، لكن من الضروري اليوم أن لا نبقى متفرجين ولا متباكين بل الآن وقت العمل الدؤوب، واتخاذ القرارات السريعة المدروسة –ولا أقول المتسرعة- للتخفيف من حدة تلك الارتدادات التي يمر بها الاقتصاد الأردني.