هل سيؤثر اقتصاد أميركا على الانتخابات؟
لم يُرجِع الناخبون الأميركيون الفضل في الطفرة الاقتصادية التي شهدتها بلادهم إلى البيت الأبيض بقيادة بايدن. فهل يعاقبون كامالا هاريس على الانهيار؟
لقد نما الاقتصاد الأميركي بمعدلات كبيرة كانت موضع حسد العالم الغني، ولكنه أخذ الآن في التباطؤ. ويشعر المستثمرون بالقلق من أن الركود بات قاب قوسين أو أدنى. ففي الثاني من أغسطس/آب، وبعد مسح مخيب للآمال بالنسبة للمصنعين وارتفاع في طلبات إعانات البطالة، انتاب المستثمرين الخوف من الأخبار التي تشير إلى أن معدل البطالة في البلاد ارتفع في يوليو/تموز إلى 4.3 في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2021. وفي الخامس من أغسطس، هبطت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، قبل أن تسترد بعضا من الأرض المفقودة في اليوم التالي.
لا يحدد الاقتصاد الانتخابات في أميركا، لكنه مع ذلك مهم. ولا ريب في أن مساره على مدى الأيام التسعين المقبلة سوف يترك تأثيره على فرص الديمقراطيين الذين يحتلون مناصب حاليا. ولعل الركود الصريح سيكون نذير شؤم للسيدة هاريس. ولكن، حتى لو كان الاقتصاد يتباطأ فحسب، كما هو مرجح، فقد يضر بها ويساعد دونالد ترمب.
فهل أميركا على شفا الركود حقا؟
تبدو بعض المؤشرات نذير شؤم بالنسبة للاقتصاد الأميركي. فقد ارتفع معدل البطالة بشكل كبير عن أدنى مستوياته الأخيرة، وهو مؤشر ارتبط في الماضي بالركود. وتشير القواعد العامة إلى أنه نظرا لحالة الاقتصاد، ربما تكون أسعار الفائدة أعلى من اللازم بنقطة إلى نقطتين مئويتين. والواقع أن العائدات على سندات الخزانة الطويلة الأجل انخفضت إلى ما دون ذلك على السندات القصيرة الأجل، تحسبا لضعف الاقتصاد وخفض أسعار الفائدة بشكل حاد من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ومع ذلك، يبدو أن أميركا، وفقا لمعظم المقاييس، لا تشهد هبوطا مفاجئا، لكنه تباطؤ تدريجي. لقد أدت أسعار الفائدة المرتفعة إلى تبريد سوق العمل تدريجيا منذ أن وصل معدل البطالة إلى أدنى مستوياته في أبريل/نيسان 2023، ما أدى بدوره إلى تباطؤ نمو الأجور وتآكل ثقة المستهلك. وقد أبلغت بعض الشركات التي تتعامل مع المستهلكين، مثل "ماكدونالدز"، عن مبيعات مخيبة للآمال. لكن حال البعض الآخر كان أفضل بكثير، ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي يتعاظم، وقد نما في الربع الثاني من العام بمعدل سنوي بلغ 2.8 في المئة، وهو أعلى من اتجاهه الطويل الأجل. وتقف تقديرات النمو الاقتصادي في الربع الحالي فوق 2 في المئة بشكل مريح. ولا تزال حجوزات المطاعم والسفر الجوي وتحصيل الضرائب تشير جميعا إلى أن النمو لا يزال قويا.
فضلا عن ذلك، يتلقى الاقتصاد دفعة قوية من انخفاض أسعار الفائدة الطويلة الأجل، وارتفع تأثير هذه الدفعة بفعل سعي المستثمرين إلى اللجوء إلى السندات هذا الأسبوع. وقد أدى هذا إلى تخفيف ظروف الائتمان، كما أشارت استطلاعات الرأي التي أجرتها البنوك. وسوف يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول من أجل تلبية توقعات المستثمرين، بيد أن ذلك سيكون مجرد إجراء شكلي، فالواقع أن أسعار الرهن العقاري وديون بطاقات الائتمان تتراجع تحسبا لذلك.
ماذا إذن عن العواقب السياسية المترتبة على التباطؤ وليس الركود؟ لا تزال السيدة هاريس تعاني من مشكلة، فالناخبون الذين حرموا الديمقراطيين من أي فضل في الطفرة الاقتصادية، قد يلومونها مع ذلك إذا فقد الاقتصاد زخمه.
وفي ظاهر الأمر، على السيدة هاريس أن تكون قادرة على خوض حملتها الانتخابية على أساس السجل الاقتصادي لإدارة بايدن. فمتوسط الدخل الحقيقي للعمال أعلى بنسبة 9.4 في المئة مما كان عليه عندما ذهب الأميركيون إلى صناديق الاقتراع في عام 2016. وحتى بين الرجال الذين لم يتجاوزوا التعليم الثانوي، لا يتجاوز معدل البطالة 5.1 في المئة. وفيما نكتب هذا التقرير هذا الأسبوع، تمتعت الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا في الغالب بمعدلات تضخم وبطالة أقل من المتوسط الوطني. وبالتالي، فإن شكوى جيه دي فانس- زميل ترمب في الترشح والمُدافع عن الصناعات المحلية- من أن أميركا ضحت بالوظائف من أجل استيراد "محامص الخبز المقلدة" لا معنى لها في واقع الأمر.
الواقع أن الجمهوريين والديمقراطيين يتبنون آراء متحيزة بشأن الاقتصاد، كل بحسب ميوله السياسية. ومع ذلك، يميل الناخبون عموما إلى النظر إلى تعامل الديمقراطيين مع الاقتصاد بشكل أكثر سلبية من تعامل ترمب. وأحد الأسباب المحتملة لذلك هو صدمة الأسعار المستمرة التي يعاني منها المستهلكون في كل مرة يذهبون فيها للتسوق، حيث ارتفعت الأسعار بنحو 20 في المئة منذ تولى الرئيس بايدن منصبه، على الرغم من أن معدلات التضخم قد بدأت في الانخفاض. وقد يكون هذا التأثير الملموس على الحياة اليومية هو المحرك لتصورات الناخبين.
ولكن نوبة التذبذب في سوق الأوراق المالية اليوم ربما لن تؤدي منفردة إلى تفاقم هذا الوضع، وهي لا يمكنها أن تفعل ذلك، حتى لو أطلق عليها ترمب، بمبالغته المعهودة، "انهيار كامالا". وفيما ننشر هذا التقرير، كان مؤشر "ستاندرد آند بورز-500" للأسهم أقل بنحو 8 في المئة من ذروته، ولكن هذا التصحيح كان مستحَقا في ظل التقييم المرتفع للسوق مقارنة بأرباح الشركات. ولا يزال المؤشر مرتفعا بنحو 9 في المئة هذا العام، وتجاوزت الشركات الأميركية في المتوسط توقعات الأرباح. ولم يقع أكبر ركود في "وول ستريت" بل في اليابان.
ولكن القلق الحقيقي الذي يساور الديمقراطيين يكمن في التباطؤ الاقتصادي الأساسي، الذي ساهم في تقلبات السوق. وتشير الأبحاث إلى أن الناخبين يعطون الأولوية للتطورات الاقتصادية الأخيرة عند الإدلاء بأصواتهم، مما يجعل أداء الاقتصاد في الفترة التي تسبق الانتخابات بالغ الأهمية. ويرتبط نمو الدخول الحقيقية بعد الضريبة للفرد في الربعين السابقين للانتخابات، إلى جانب الوقت الذي قضاه الحزب في السلطة، ارتباطا وثيقا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وهنا لدى الديمقراطيين ما يدعو للقلق. ففي بداية العام، كانت الدخول الحقيقية ترتفع بوتيرة ربع سنوية بلغت نحو 1 في المئة. ومع تباطؤ الاقتصاد، انخفضت ثقة المستهلك، التي هي أساسا منخفضة بشكل غير عادي بالفعل رغم النمو القوي وطفرة الوظائف، بشكل أكبر منذ يناير/كانون الثاني وقد تكون عُرضة لصدمات إضافية من انخفاضات سوق الأسهم أو ارتفاع أسعار النفط بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
ولكن أيا من هذا لا يعني فوز ترمب بالضرورة. وتُظهِر السوابق التاريخية- مثل إعادة انتخاب باراك أوباما في عام 2012 في ظل اقتصاد ضعيف- أن عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على النتيجة. وقد تكون نقاط ضعف ترمب في القضايا غير الاقتصادية العاملَ الفاصلَ بين النصر والهزيمة.
وفي الوقت نفسه، يشير متتبع استطلاعات الرأي لدينا إلى تقدم ضئيل للسيدة هاريس، بسبب الحماس وبسبب تفوقها في قضايا مثل الإجهاض والرعاية الصحية. ولكن ذلك لا يكفي حتى الآن لتأمين الأصوات الكافية في الهيئة الانتخابية للفوز. كما أنها مفضلة لدى الناخبين في مواضيع مثل الإجهاض والرعاية الصحية. ومع ذلك، إذا فازت فلن يكون ذلك بسبب العوامل الاقتصادية، التي لا تعمل لصالحها حاليا.