مشروع العطارات.. ماذا بعد قرار التحكيم؟
د. عبدالله الزعبي
يعتبر مشروع توليد الطاقة الكهربائية من الصخر الزيتي والمسمّى بمشروع العطارات، أكبر مشروع ينفذ في المملكة حتى تاريخه، وبتكلفة مالية تقدر بحوالي 2.1 مليار دولار، وينفذ من قبل ائتلاف لعدد من الشركات العالمية، إلا أن الحصة الأكبر فيها للشركات الصينية.
مذكراً بأن وجود الصخر الزيتي في الأردن ينتشر على مساحات واسعة من أراضي المملكة (من وسط المملكة وحتى وادي الشلالة شمالاً، والذي أقيمت عليه محطة ألمانية لتقطير النفط قبل الحرب العالمية الأولى، حسب وثائق كنت قد اطلعت عليها لدى المرحوم المهندس كمال جريسات، مدير عام سلطة المصادر في بداية تسعينيات القرن الماضي، وكذلك من قبل المهندس محمد أبو عجمية، أطال الله في عمره، الجيولوجي الأكثر خبرة في
جيولوجية الأردن وتراكيبه التحت سطحية وثرواته الطبيعية)، ويشكل الاحتياطي منه ما يزيد على 40 مليار طن، وهذا ما أثبتته الدراسات السابقة من قبل العاملين في سلطة المصادر الطبيعية خلال العقود الماضية والذي
تشرفت بأن أكون أحدهم خلال العقد الأخير من تسعينيات القرن الماضي. الأمر الذي يضع الأردن من بين الدول الأكبر في احتياطيات هذا الخام، كما ويتميز هذا الخام في الأردن بانخفاض نسبة الرطوبة بشكل كبير مقارنة مع مكامن الصخور الزيتية في العالم كالصخور الزيتية في كندا أو أستونيا وغيرها من الدول. كما وتقدر القيمة الحرارية للصخور الزيتية الأردنية بحوالي 7.5 ميجا جول/كغم من الصخر.
إن اتفاقية تنفيذ المشروع كانت قد وقعت ما بين الحكومة الأردنية والائتلاف العالمي بقيادة الشركات الصينية عام 2013، لكي يتم تزويد المملكة بـ 15 % من حاجة المملكة من الكهرباء، والتي تبين فيما بعد بأن تكلفة شراء الكهرباء من الائتلاف ستلحق خسائر في الحكومة الأردنية لا تقل عن 200 مليون سنوياً، وذلك بسبب وجود مصادر أخرى لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة أقل.
كما تبين لاحقاً بأن احتياجات المملكة من الكهرباء تتراوح ما بين 4500 الى 5000 ميجا واط، وليس كما ورد في إسترتيجية الطاقة في العقد الماضي من أنها ستكون حوالي 8000 ميجا واط. يضاف إلى ذلك وجود فائض من إنتاج الكهرباء من الشركات المولدة لها من المصادر المختلفة كالنفط والغاز والطاقة الشمسية وغيرها.
من المحتمل أن تكون الحكومة وضعت خطتها في ذلك الوقت، بهدف تصدير الكهرباء إلى بعض الدول المجاورة وبالأخص لبنان، والذي لم تتمكن من التصدير إليه لأسباب متعلقة بالسياسة الإقليمية والعقوبات المفروضة على سورية (قانون قيصر)، واقتصر التصدير إلى شركة كهرباء القدس الفلسطينية.
إن صدور قرار التحكيم والذي اعتمد على معيار العائد الاستثماري كأساس لتقدير الغبن الذي لحق بالحكومة الأردنية، ووجد بأن العائد الاستثماري مجدٍ ومقبول للحكومة الأردنية ممثلة بشركة الكهرباء والائتلاف الدولي المنفذ للمشروع. أي أن تنفيذ الاتفاقية أصبح أمرا واقعا، وقد تلجأ الحكومة للتفاوض مع الائتلاف لتعديل بعض البنود لتحسينها لصالح شركة الكهرباء، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه في حال رفض الائتلاف الدولي المنفذ للمشروع أي تعديلات.
إن مثل هذا الوضع يرتّب على الحكومة التعامل مع الطاقة الكهربائية المنتجة من مشروع العطارات، ومن بين هذه الحلول أن تقوم الحكومة بتزويد القطاع الصناعي بالطاقة الكهربائية وتخفيض التكلفة كنوع من الدعم للقطاع الصناعي والذي يعاني أصلاً من ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة،
الأمر الذي سيخلق قطاعا قوياً وقادراً على المنافسة في المنتج الأردني الصناعي في الأسواق الإقليمية والعالمية. كما أنني أعتقد أنه من الممكن استغلال الطاقة الكهربائية في مشروع الناقل الوطني للمياه كمساهمة من الحكومة بدلاً من إنشاء محطة خاصة لتوليد الطاقة لأغراض تنفيذ مشروع الناقل الوطني، مما سيخفض تكلفة تنفيذ المشروع والتي ستنعكس على تكلفة إنتاج المتر المكعب من المياه المحلّاة من مياه خليج العقبة. إن مشروع الناقل الوطني هو محط اهتمام كبير من قبل جلالة الملك وسمو ولي العهد.
إن المحافظة على تنفيذ بنود اتفاقيات الاستثمار مع الشركات العالمية والمستثمرين، يساهم في تعزيز ثقة الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب في البيئة الاستثمارية في الأردن في ظل الاستقرار السياسي والأمني الذي يتمتع به الأردن، والذي جاء نتيجة جهود مكثفة من جلالة الملك يجب البناء عليه لتحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية للدولة الأردنية.