في أسبوع الموت أصبح لكل ثأره
د.منذر الحوارات
وكأنّ إسرائيل كانت تنتظر لحظة شبيهة بهذه، سقوط صاروخ على قرية مجدل شمس السورية في الجولان المحتل، راح ضحية هذا الصاروخ التائه أحد عشر طفلا كانوا بمثابة الذريعة المنتظرة لتُدخل إسرائيل الجميع في أتون الحرب لحسم ملف ما تقول عنه أذرع إيران في المنطقة، فسارعت إلى اغتيال القائد المهم في حزب الله فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية في خرق أمني خطير يشير إلى حجم تغلغل الموساد في هياكل الحزب وأجهزته، وفي غضون ثمان ساعات تم اغتيال الشخصية الفلسطينية الأميز إسماعيل هنية في قلب طهران عاصمة المحور مما شكل صفعة لها ومحورها، فقد أثبتت إسرائيل أنها تخترق خصومها مخابراتياً حتى النخاع، لدرجة أن إيران لم تستطع حماية ضيف المرشد الأعلى من الاستهداف.
اشتعلت نيران الغضب في كل مكان في فلسطين بالذات بعد أن فاقمت دولة الاحتلال الجرح ورشت الملح عليه بإعلانها أن القائد الكبير واللغز المحير محمد الضيف قد تأكد اغتياله في هجوم المواصي، والآن بعد أن حلّ الحزن على الشركاء ما هو شكل ثأرهم؟ حماس التي تخوض حربا مُنهكة وغير متكافئة منذ عشرة شهور لا بد أن ترد بطريقة تثبت أنها تثأر لقائِديها الكبيرين، أما حزب الله فإنه دخل الحرب للمشاغلة بالتالي فإن فكرة الانخراط في حرب واسعة ليست ضمن أولوياته لأنه يعلم تماماً عواقب توسيع الحرب وبأنها ستكون بمثابة الكارثة عليه وهذا يجعله يضبط إيقاع الرد بشكل مدروس خشية الوقوع في الهاوية.
أماً إيران المثكولة بانتهاك حرمة أراضيها وسيادتها وهيبتها بالإضافة إلى الغضب الداخلي فإنها أصبحت ملزمة بالرد وإثبات أنها قادرة على الدفاع عن أمنها وهيبتها وثقة حلفائها بها، لكن السؤال كيف تدخل حرباً وهي التي جاهدت لوضع صيغة مرنة تُبعد الحرب عن أراضيها وتشاغل بها أعداءها خارج حدودها، فمنذ عقود وهي تنشئ المليشيات كي تكون أداتها في إبعاد الحروب عنها فيما عُرف بالدفاع المتقدم، لكن بعد أن تزعزعت ثقة الكثيرين بها بالذات بعد الرد الباهت على قتل القادة الإيرانيين في السفارة الإيرانية في دمشق حيث ألقى ذلك الرد بظلال قاتمة حول صدقيتها ومقدرتها على التعامل الجاد مع إسرائيل، والآن بعد أن جاءت لحظة الحقيقة بسبب ذهاب نتنياهو بعيداً في استفزازها وحلفائها تجد نفسها بعد سنين من اللعب عن بعد في مواجهة احتمال حرب حقيقية قد تجرها ومحورها إلى مواجهة دامية مع الولايات المتحدة وهو ما لا تريده إيران قبل إنجاز برنامجها النووي.
صار واضحاً أن أغلب قادة محور المقاومة بمن فيهم إيران يهندسون رداً لا يتجاوز الخطوط الحمراء الأميركية، بالتالي فإن شكل الرد يبقى أسيراً لهذا الخيار، لذلك يحاول المحور اختيار الرد بطريقة تعيد هيبته في نفس الوقت تبقي الخيار مغلقاً على حرب واسعة وتلك معضلة بالنسبة له، فإسرائيل تدفع بكل قوتها لإدخالهم في هذا الصراع، بالنسبة لحزب الله فمن المتوقع أنه يفكر برد من نوع العمل مثل قتل شخصية كبيرة في دولة الاحتلال وهو يحاول أن يميز نفسه عن إيران لكنه في النهاية سيسير وفق خطتها وفي ركابها، أماً إيران فموقفها أكثر حرجاً والدلائل تشير إلى أن ردها سيأتي من الأراضي السورية ربما مع صواريخ بالستية من إيران تهاجم مواقع إسرائيلية منتقاة بعناية، أماً الحوثيون فساحتهم هي باب المندب مع بعض الصواريخ على إسرائيل، وبالنسبة لحماس فهي منخرطة في مواجهة حامية مع دولة الاحتلال لكنها مضطرة للرد بطريقة مختلفة هذه المره، ربما تحاول الوصول إلى شخصية إسرائيلية بوزن كبير.
اذاً نحن أمام مواجهة منضبطة بمعايير صراع لا يريد له محور المقاومة أن يخرج عن إطار المواجهة التكتيكية كي لا يؤدي إلى توسع الصراع وفي نفس الوقت تحفظ ماء وجه كل الأطراف المتضررة، لكن طبيعة الإجراءات في إسرائيل تشير بأنها تستعد لحرب واسعة وكبيرة وكأنها تريد وضع الجميع على حافة الهاوية في مواجهة احتمال حرب كبرى وبالتالي إما أن يخوضها المحور أو يقر بالحقائق على الأرض ويعود بخطواته إلى الوراء كي لا تنكشف الحقائق المرة وفي كلتا الحالتين فإننا في مواجهة تغير جوهري يحول إسرائيل إلى شرطي المنطقة؛ فبعد أن كانت تلجأ إلى الولايات المتحدة في تطويع الأصدقاء قبل الأعداء، ستتحول منذ تاريخ ثأر المحور إلى رجل المنطقة؛ يأمر فيطاع بدون وساطة أميركا أو تدخلها، وهذا سيؤدي إلى ذهاب دم هنية ورفاقه وشعبه هباء على مذبح الطموحات الإقليمية المتخيلة والعبثية.