دعم جهود الملكة بمجال المناخ، وإنشاء مجتمع مناخي وطني: ضرورة وطنية ملحة للأردن
الباحثة دانيه العيساوي
تتزايد تحديات كوكبنا بفعل الأزمات الصحية مثل جائحة كورونا، والأزمات الغذائية المتمثلة في نقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، إلى جانب النزاعات السياسية والحروب. يتجلى التغير المناخي كعبء إضافي يفاقم من معاناة الدول الفقيرة، بينما تستمر الدول الغنية في إحداث تأثيرات سلبية على البيئة.
يشكل التغير المناخي تهديدًا عالميًا يتجاوز قدرات الدول على التأقلم، حيث تتسارع مشكلات التصحر، نقص المياه، والكوارث الطبيعية، وتتسارع الأمراض الجديدة في ظهورها، في وقت تتناقص فيه إنتاجية الأراضي الزراعية وتزيد الطلبات على الموارد الطبيعية. في هذه البيئة المتدهورة، قد نواجه خطرًا يهدد بإنشاء حلقة مفرغة تشدنا نحو نقطة اللاعودة.
في هذا السياق، تتألق جلالة الملكة رانيا بدورها البارز في الساحة الدولية، حيث تثير قضايا المناخ بجدية وذكاء، وتسلط الضوء على المخاطر البيئية المتنامية. لقد نبهت الملكة منذ سنوات إلى ضرورة معالجة انبعاثات غازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون، محذرة من استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتأثيراته السلبية على المصادر الحيوية مثل المياه والتربة والتنوع البيولوجي. وقد أثبتت خطابات الملكة في المحافل الدولية قدرتها على تحفيز النقاش وتوجيه الانتباه العالمي نحو هذه القضايا الملحة.
اليوم، بينما يتسارع الوعي العالمي بضرورة التصدي للتغير المناخي، تأتي المبادرات التي أطلقتها الملكة رانيا كخطوة هامة نحو التصدي لهذه الأزمة. فقد تم تعيينها كرئيسة مشاركة في مبادرة المنتدى الاقتصادي العالمي "العطاء لتعظيم العمل من أجل الأرض GAEA" في سبتمبر 2023. ولكن، وفي الوقت الذي بدأت فيه الملكة التخطيط للمرحلة المقبلة، واجهنا التصعيد في النزاع في غزة، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي.
يعترف المجتمع الدولي بتزايد التهديدات المناخية، حيث خصصت قمة المناخ الأخيرة في دبي عشرات المليارات من الدولارات لمواجهة آثار التغير المناخي. إلا أن تحقيق الأهداف المناخية يتطلب شراكة فعالة على الصعيدين الوطني والدولي.
لذلك، فإن دعم جهود الملكة رانيا يتطلب إنشاء مجتمع مناخي أردني متكامل، يضم مجموعة من الخبراء المتخصصين في شؤون التغير المناخي. هذا المجتمع سيكون مسؤولًا عن اقتراح وتفصيل الخطط والبرامج لمواجهة تحديات المناخ. من بين الخطوات الضرورية، تحديث المخططات التنموية واستعمالات الأراضي لتعزيز قدرة المدن والمجتمعات على التكيف مع آثار التغير المناخي.
في هذا السياق، أعمل حاليًا كباحثة دكتوراة بالتعاون مع البروفيسور محمد الفرجات من جامعة الحسين بن طلال، على تطوير آلية مكانية رقمية لبناء نماذج حساسية المدن تجاه التغير المناخي. يشمل العمل إعادة بناء السيناريوهات والاستراتيجيات والخرائط التنموية، مستفيدين من تجارب مثل مخطط البترا الاستراتيجي الشمولي 2012-2032.
لا شك أن هناك جهودًا وطنية هامة تُبذل في هذا المجال، ولكن من الضروري توجيه الدعم نحو تعزيز جهود الملكة رانيا. إن الاستفادة من الصناديق الدولية المخصصة لمواجهة التغير المناخي وجذب مشاريع الاقتصاد الأخضر يمكن أن تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، تحسين الخدمات، وتعزيز الأمن المائي والطاقة في الأردن، مما يعود بالنفع على المجتمعات المحلية والقطاعات الاقتصادية.
ندعو صناع القرار إلى دعم مبادرات الملكة الرائدة وتأسيس مجتمع مناخي أردني قوي، حيث يمكن أن تلعب هذه المبادرات دورًا حاسمًا في توجيه العالم نحو مواجهة التحديات البيئية المتفاقمة، كما كان لجهود الملكة خلال النصف الأخير من العقد الحالي أثرًا كبيرًا في توجيه اهتمام قادة العالم نحو هذه القضايا المصيرية.