مقاربات «حكي القرايا» من الرواية الرقمية

{title}
أخبار الأردن -

 

جمانة وادي الرمحي
يمتلك رمضان الرواشدة فهما عميقا لطبيعة عصره ويدرك أن ما يقدمه ليس عملا تقليديا خاضعا للتحليل الكلاسيكي، مما تطلب منه صياغة الفكرة في نص تاريخي خيالي حيوي، والتعامل بكفاءة مع نقل تاريخ طويل زمنيا بوساطة المرويات الشفهية، وجعل المتلقي شريكا له في السرد، فما يعرضه هو تاريخ تشارك فيه الأجداد ونقلوه إلى أحفادهم.
 تحرر الكاتب من وهم النص المكتمل، وأصبح التشتت والتشظي والتشعب سمة في عرض السر د، وأخرجت الرقمنة العمل إلى عالم الشاشات، فهناك نص وكاتب ومتلق وعالم رقمي.
 نلمح في رواية حكي القرايا بعضا من خصائص الرواية الرقمية ونجد أنها تحاكي الزمن القفزي مما يوحي بنمط السرد الرقمي، فتتشابك تلك الخصائص التقليدية مع ما تطرحه الآن التقنيات الرقمية من آليات لبناء سرد حيوي، في فضاء الذكريات، مع مزيج من الخيالية، تحمل تصور الكاتب عن مرحلة تاريخية وتوظيفه لهذا التصور في معمار النص رؤية وتشكيلا.
 في الرواية تنقل الراوي من زمن إلى آخر، وتولد هذا بتقنية الاسترجاع، فالدوال والمدلولات قابلة للانقسام، والحكايا قصيرة ومتداخلة، مستقلة مع شيء من التراتبية، وهذا يتناسب مع خاصية التشظي في الرواية المرقمنة، وعبر عن الانفلات والتشظي السياسي في زمن الرواية، دون أن يشعر المتلقي بفجوة زمنية، وهذا ما تفعله تقنية HYPERTEXT، ويتمثل هذا في القفزات الزمنية الكبيرة، حيث امتد زمن السرد في أكثر من مئة عام على ورق حصر بمئة صفحة، وهذه المعادلة تظهر تكثيفا زمنيا، فالرواية تناولت أربعة أجيال.
 قضية القرى وتحولات الحياة فيها، الصراعات الداخلية والخارجية، فهذه النقلات والصور الحركية لواقعة ذهب القلعة، ووصف بندقية (أم شوكة) ومعركة (عين الرغاية) وغيرها من المشاهد التي يمكن عرضها كروابط تفسيرية في مربعات حوار، ترافقها تأثيرات صوتية، وصورا متحركة، وتضمين النص جملا وصفية تساعد على جعلها رواية رقمية فالزمن في الرواية يتقارب من مفهوم الزمن التفاعلي. إن قابلة السرد وطبيعته في الرواية يتيح لنا دمج عناصر بصرية وسمعية مثل الفيديو والصوت؛ ليخلق تجربة غامرة وإثارة وتشويقا، فالبنية الزمنية متغيرة تتحول إلى التزامن والفورية وهذا يشبه إلى حد كبير الهاشتاغ أو الإشعارات، ويعد شكل الكتابة التوليدية جزءا من المشهد الأدبي، وقد نستطيع بناء جزء كبير من الأحداث على تفاعلات رقمية مثل المحادثات أو التعليقات، ويتشارك المتلقي بشكل نشط في التنقل بين مدن الجنوب الأردني افتراضيا، من اختياراته للروابط، مما يكسر رتابة السرد التاريخي.، ووجود الخيال المثقل بالعجائبية و تدخل الأسطورة كل هذا انعطف بالسرد إلى طريق الرقمنة.
 تعدد الأصوات ضمنيا، فمن صوت المحتل العثماني، إلى صوت المروءة، والتحالف ضد العدو والفساد، والمرأة صاحبة التدبير والحنكة والشجاعة، وكل هذه الأصوات ضمها الكاتب في رؤيته في سياق الرواية، وهذا تدعمه تقنية النوافذ المفتوحة.
 الفضاء السردي للرواية يدور في منطق جنوب الأردن إلا أنه مفتوح داخل الراوية، وتشعر أن أبطال الرواية يتحرك بهم الراوي من المنزل إلى القلعة، وساحة القتال، وبعدها إلى أماكن الرعي والعودة. وإن الإحساس الجمعي وتعدد الأصوات يشابه التقاء الأفراد من عدة جماعات في فضاء الذكاء الاصطناعي مما يساعد على إضافة عمق للشخصيات باكتشاف العيوب والمخاوف.
 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية