قرار ترامب وحظر الإخوان... أسئلة أوسع حول الداخل الأردني
قال الكاتب المحامي سائد كراجه إن القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حظر جماعة الإخوان المسلمين يمثل حلقة إضافية في سلسلة محاولات متعثرة لحظر الاخوان منذ 2015، والتي اصطدمت، مرارًا، بإشكالية قانونية تتمثل في غياب كيان دولي موحّد للاخوان ذي شخصية اعتبارية قابلة للمساءلة القانونية المباشرة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا الفراغ ربما هو ما دفع واشنطن إلى تبنّي مقاربة تقوم على استهداف ما تسميه "الفروع"، في محاولة لإعادة تعريف التنظيم بوصفه شبكة كيانات محلية منفصلة.
وبيّن كراجه أن غياب الشخصية الاعتبارية للاخوان يحوّل القرار من أداة ذات أثر مؤسسي شامل إلى إجراء انتقائي يقتصر، نظريًا وعمليًا، على استهداف فروع قائمة قانونيًا، أو أفراد محددين عبر منظومة العقوبات الأميركية، وهو مسار شديد التقييد يخضع لمعايير إثبات صارمة، تقوم على وجود دعم مادي ملموس، أو تقديم خدمات أو تدريب أو تنسيق فعلي مع جهة مصنّفة إرهابية، لا على مجرّد التناصر الأيديولوجي أو التعبير السياسي أو حتى التعاطف الخطابي.
وذكر أن هذا التمييز مبدأ قانوني مستقر كرّسته المحكمة العليا الأميركية في حكمها المفصلي Holder v. Humanitarian Law Project (2010)، الذي رسم خطًا فاصلًا بين "الدعم المنسّق" المحظور، وبين "الخطاب المستقل" المحمي دستوريًا، مشيرًا إلى أن التقييم السياسي أو التحليل الأكاديمي، ما لم يقترن بتنسيق مباشر، لا يشكّل أساسًا للعقوبات.
واستطرد كراجه قائلًا إن هذا الإطار القانوني يفسّر استمرار مساحات واسعة من النقاش النقدي في الجامعات ووسائل الإعلام الغربية، حيث يقدّم أكاديميون وباحثون بارزون توصيفات سياسية للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بما في ذلك توصيف أعمال حماس باعتبارها مقاومة مشروعة حسب القانون الدولي، دون أن يترتب عليهم أي تبعات قانونية، طالما بقي الخطاب في إطار التحليل المستقل غير المنسّق، وهو ما يحدّ عمليًا من أي أثر واسع للقرار التنفيذي على المشهد الداخلي في الدول الحليفة.
وفي السياق الأردني، لفت كراجه إلى أن الدولة اختارت، منذ عام 2020، مسارًا قانونيًا منضبطًا لإدارة العلاقة مع قوى الإسلام السياسي، قائمًا على نصوص تشريعية واضحة وأحكام قضائية نهائية، ما وفّر إطارًا مرجعيًا مستقرًا يعاين الفعل السياسي بعيدًا عن منطق الإقصاء أو الاستجابة للضغوط الخارجية الظرفية.
وأشار إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في القرارات الخارجية بحد ذاتها، وإنما في كيفية التعامل معها داخليًا، محذرًا من أن تحويلها إلى أدوات استقطاب أو شيطنة سياسية يهدد بتآكل الثقة العامة، ولا يسهم في مسيرة التحديث السياسي والاقتصادي الذي يعمل عليك الأردن باعتباره المصلحة العليا للأمن الاجتماعي والسياسي.
وتابع كراجه أن تطوير هذا النهج - سيادة القانون - يتطلب توسيع الفضاء الحزبي التنافسي، بما يسمح بتعدد القوى والأطياف الأيديولوجية، وفق منطق "دفع الناس بعضهم ببعض"، وهو منطق يمنع احتكار المجال العام، ويُبقي الصراع السياسي ضمن قواعده السلمية والمؤسسية.
وأضاف أن على الأحزاب، ولا سيما الأحزاب ذات المرجعيات الأيديولوجية العابرة للحدود، استشعار المرحلة السياسية التي يمر بها الأردن، وضبط خطابها - بدافع المسؤلية الوطنية – حتى يكون ضمن مرجعيات وطنية لا فصائلي استقطابي، مع حرصها على توجيه مجالها السياسي نحو مساءلة السياسات العامة للحكومات لا نحو الدولة بوصفها كيانًا جامعًا، معتبرًا أن التخلي عن خطاب التفوّق الأخلاقي والاستقطاب الحاد يشكّل شرطًا أساسيًا لإعادة بناء الثقة السياسية.
وخلص كراجه إلى أن الجمع بين إطار قانوني ثابت، وساحة سياسية مفتوحة وتنافسية، وخطاب مسؤول، هو ما يمكّن الدولة من عبور لحظة إقليمية شديدة التعقيد بثبات، مشيرًا إلى أن القوة الاستراتيجية تُستمد من ترسيخ جبهة داخلية متماسكة قادرة على حماية الاستقرار السياسي والاقتصادي، وصياغة خياراتها السيادية بثقة واستقلالية.

