محطات في اليوبيل الفضي للملك
نضال منصور
يحتفل الأردن باليوبيل الفضي لتسلم جلالة الملك عبد الله سلطاته الدستورية.
مرت 25 عاما والملك عبد الله في سدة العرش، بعد عقود طويلة من حكم الراحل الملك الحسين الباني للأردن الحديث، ورغم كل الضغوط، والظروف الصعبة التي مرت في المملكة، والإقليم، والعالم إلا أن الملك الشاب استطاع أن يعبر بالبلاد إلى بر الأمان.
محطات كثيرة لم يكن من السهل القفز عنها، فلا يمكن نسيان أحداث سبتمبر التي عصفت في العالم، فقد وضعت العالم العربي، والإسلامي في عين العاصفة، ووصمته بالإرهاب، والملك الذي كان في طريقه إلى واشنطن حين فجرت طائرات أسامة بن لادن الإرهابية برجي التجارة في نيويورك عاد إلى عمان ليبدأ بعدها رحلة شاقة لرفع تهمة الإرهاب عن العرب، ويقدم الأردن المناهض للإرهاب مهما كان مصدره، وليؤكد أن الإرهابيين لا دين لهم، وأن عمّان تملك منهجا إنسانيا، متسامحا.
وقبل أن تخفت النار التي أشعلها بن لادن، كانت الحرب الدولية التي استهدفت إسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد أكثر من عقد من الحصار السياسي، والاقتصادي قد اشتعلت، ورغم محاولات الأردن تجنيب المنطقة هذا المنعطف الخطير، لتداعياته على الحالة العربية، وتأثيراته الأمنية، والسياسية المباشرة على الأردن، فإن طبول الحرب كانت قد قُرعت، وكان على الملك التعاطي مع الوضع الجديد، والمعقد في العراق، وظل الهاجس الأردني منذ اللحظة الأولى استقرار العراق، واستقلاليته، وأن لا يصبح قراره رهنا بقوة إقليمية تحاول عزله عن محيطه العربي.
كان التغيير في العراق مقلقا للأردن، وأبقت عمّان على شعرة معاوية في أكثر الظروف صعوبة، ولم تقطع، وظلت تعمل بجد على أن العراق عمق أساسي للأردن، وهو ما تأكد بعد سنوات من المد، والجزر للاعبين، والقادة الجدد في العراق. التحدي الجديد الذي ألقى ظلاله على العرش في الأردن كان ما سمي «الربيع العربي»، وبحكمة، استطاع الملك أن يُجنب الأردن الانهيارات التي مرت بالإقليم دون نقطة دم، وظل الأردن الرسمي، والشعبي متماسكا، خلق تفاهمات صنعت سلما مجتمعيا، فكان ما كان قصة نتحدث عنها بفخر بعد أن مرت، ونجونا بسلام.
رغم الظروف الاقتصادية التي مرت بالمملكة منذ 25 عاما، فالمساعدات العربية تراجعت، ثم شحت، وبعدها توقفت، والمنح الدولية أصبحت صعبة، واللجوء صار عبئا على الأردن، فإن البلاد مضت في مسار التحديث بإمكانات متواضعة، والأردن إذا ما قورن بالكثير من الدول التي تملك موارد، وإمكانات اقتصادية أفضل، يبدو حالة متقدمة، وكل من يزور عمّان يبدي إعجابا بالخدمات المقدمة في كل مكان، وبالنهضة التي تلفت الانتباه في بلد شحيح الإمكانات، ورأسماله الأساسي إنسانه.
بعد شهرين ستجري الانتخابات النيابية التي يراهن أن تنقل الأردن خطوات نحو تحديث سياسي عماده العمل الحزبي، ونتمنى لهذه التجربة النجاح بعد ربع قرن من حكم الملك عبد الله، وأن تفتح الباب لتعزيز هوامش الديمقراطية، والحريات العامة. بالتأكيد في مقابل قصص النجاح هناك تحديات كثيرة، وصعوبات جمّة، وأخطاء، وهناك من يعملون في «السستم»، وداخل سلطات الدولة عكس التوجهات التي ينادي بها الملك، وهؤلاء من يجب التصدي لهم، وكشفهم، ومحاسبتهم، لتمضي البلاد في طريق النهضة، والازدهار.
قبل 25 عاما التقيت الملك بعد أن تسلم سلطاته الدستورية وكنت أمينا لسر نقابة الصحفيين، وقال لنا عبارته المشهورة «حرية الصحافة حدودها السماء»، ومنذ تلك اللحظة تمسكنا بذلك الوعد، وبقينا أوفياء نعمل من أجله، فحرية التعبير، والإعلام شرط لحرية الوطن.
اليوبيل الفضي وعيد الجلوس الملكي لجلالة الملك محطة لتجديد العهد بالعمل من أجل نهضة الأردن، والتفاني ليكون في مقدمة، وطليعة الدول، ولن نحيد عن ذلك، ونظل نردد «أردن أرض العزم أغنية الظبى.. نبت السيوف وحد سيفك ما نبا.»