المركز الوطني للبحوث والأمن الغذائي
سلامة الدرعاوي
تجسد الرؤية التنموية للقطاع الزراعي في الأردن توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي يؤكد دائما ان الزراعة ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والأمن الوطني، إذ ان أهمية القطاع الزراعي ليس فقط في تأمين الغذاء للشعب الأردني، ولكن أيضاً في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستدامة البيئية. لذلك فإن الرؤية الملكية ترتكز على تعزيز البحث العلمي وتبني التكنولوجيا الحديثة في كافة جوانب الزراعة، لضمان تحقيق أقصى استفادة من الموارد الطبيعية وتحقيق إنتاجية عالية ومستدامة. وفي إطار هذه الرؤية الملكية، يؤدي المركز الوطني للبحوث الزراعية دوراً محورياً في تحقيق أهداف التنمية الزراعية في الأردن، حيث تأسس المركز ليكون منارة للبحث العلمي الزراعي، حيث يسعى إلى تطوير الحلول المبتكرة للتحديات التي تواجه القطاع الزراعي، ويعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة في إجراء البحوث التطبيقية والنظرية. تكريم جلالة الملك عبد الله الثاني للمركز الوطني للبحوث الزراعية يؤكد الجهود الكبيرة التي بذلها المركز في دعم وتنمية الزراعة في الأردن، فهذا التكريم، يعكس الإسهامات الكبيرة للمركز في مجالات البحث والتطوير الزراعي، ويأتي أيضا ليشجع المركز على مواصلة العمل الدؤوب نحو تحقيق المزيد من الإنجازات والتميز. أحد أبرز إنجازات المركز الوطني للبحوث الزراعية هو مشروع بنك البذور الوطني، الذي يهدف إلى الحفاظ على النباتات المهمة والنادرة والمهددة بالانقراض في الأردن، حيث يمثل هذا المشروع جزءاً من الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية والأمن الغذائي، ويسهم في تعزيز الاستدامة الزراعية من خلال حماية الموارد النباتية الأردنية وتطويرها، ومن المتوقع افتتاح بنك البذور قبل نهاية هذا العام، في شهر أيلول أو تشرين الأول. كما يلعب المركز دوراً كبيراً في بناء قدرات الكوادر البحثية والفنية، من خلال تدريب الباحثين وإيفادهم لنيل درجات الماجستير والدكتوراه، فهذا الاستثمار في الموارد البشرية لم يقتصر على الجانب الأكاديمي فقط، بل انعكس أيضا على جذب التمويل اللازم للمشاريع البحثية الرائدة، بالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين. بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير البنية التحتية للمركز لتكون بيئة حاضنة للابتكار، مما أسهم في تحسين الخدمات المقدمة للمزارعين وأتمتة هذه الخدمات. ولم يتوقف دور المركز عند البحث والتطوير، بل امتد ليشمل دعم صغار المزارعين والمرأة الريفية من خلال تنظيم أكبر نافذة تسويقية وهي مهرجان الزيتون الوطني، فهذا المهرجان يدمج الجودة الأردنية في أماكن تسويقية وسياحية واجتماعية، مما يسهم في تعزيز دخل المزارعين واستدامة القطاع الزراعي. وفي آخر مهرجان، شارك حوالي 890 مشاركاً وعارضاً، معظمهم من السيدات المعيلات لأسرهن، وقد بلغ حجم المبيعات 2.8 مليون دينار، مما يعكس النجاح الكبير لهذا الحدث في دعم المزارعين وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. في حين بلغت كميات الزيت المبيعة حوالي 174 طنا، بإجمالي مبيعات بلغ 1.1 مليون دينار. ومن بين الأبحاث الجينية والزراعية التي أنجزها المركز، تم توثيق الخريطة الجينية لعدد من النباتات والحيوانات الزراعية، فعلى سبيل المثال، تم توثيق الخريطة الجينية لأغنام العواسي الأردنية، التي تسهم في تحسين وتطوير سلالات العواسي المتفوقة في الإنتاج الكمي والنوعي. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسات البحثية أن زيتون المهراس في منطقة الميسر بمحافظة عجلون يعتبر من أقدم السلالات الجينية للزيتون في حوض البحر المتوسط، مما يؤكد على دور الأردن التاريخي في زراعة الزيتون. ورغم هذه الإنجازات، ما يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به، إذ يحتاج المركز الوطني للبحوث الزراعية إلى مواصلة تحسين نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف لتحقيق مزيد من التميز، فتكريم جلالة الملك يشكل فرصة لتسليط الضوء على هذه النقاط والعمل على تحسينها. وفي النهاية، يمكن القول إن المركز الوطني للبحوث الزراعية يمثل الذراع العلمية لوزارة الزراعة في الأردن، حيث يساهم بشكل كبير في تحقيق التنمية المستدامة في القطاع الزراعي، وبفضل الأبحاث العلمية والتطوير المستمر للبنية التحتية، والتكريم الملكي الذي يعد دافعا لمزيد من الجهد والتميز، يمثل المركز أملا مشرقا لمستقبل زراعي مزدهر في الأردن.