فلسطين في فلسطين
سميح المعايطة
إصرار الأردن في كل مواقف الدولة وعلى رأسها الملك على فكرة الدولة الفلسطينية ليس نوعا من الشعارات بل هو الموقف القائم على رؤية تدرك أبعاد سياسات إسرائيل القريبة والبعيدة، فالأردن يعلم جيدا أن الاحتلال يريد قضية فلسطين خارج فلسطين واقعا وحلولا، وكل سياسات الاحتلال تهدف إلى جعل فلسطين منطقة طاردة لأهلها إما بالقتل والتشريد أو التهويد أو إفشال أي مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية.
غزة آخر مشاريع الاحتلال على الأرض لجعلها منطقة طاردة غير صالحة للحياة وهذا يفسر قسوة العدوان وعمليات التدمير والقتل، والأردن يدرك أن نجاح الاحتلال في إخراج نسبة من سكان غزة منها إلى أي مكان في العالم يعني نجاحا للمشروع الإستراتيجي للكيان الصهيوني.
محصلة الموقف الأردني خلال شهور العدوان على غزة انه يريد أن يقدم ما أمكن من الدعم السياسي والإنساني لأهل غزة لتبقى غزة تضم أهلها، ولعل خطوة عقد المؤتمر الدولي للدعم الإنساني لغزة في الأردن بعد أيام جزء من الرؤية الأردنية بضرورة أن يتحمل العالم مسؤولياته تجاه غزة، فالعدوان والأزمة مسؤولية العالم وخاصة الدول التي انحازت لإسرائيل بشكل أعمى.
إن توقفت الحرب سيجد العالم أن الوضع الإنساني في غزة لا يقتصر على توفير الأكل والماء ومتطلبات المرضى على أهمية هذا الموضوع، بل إن هناك أبعادا خطيرة إنسانية ستكون بحاجة إلى دعم دولي لمواجهتها، فالحياة هناك اليوم فقدت أساسياتها، وغزة اليوم طاردة لأهلها، ومن وجد فرصة للخروج خرج وهذا توفر لمن يملك القدرة أو لبعض المشاهير.
فلسطين يجب أن تبقى في فلسطين هذه رؤية الأردن بمعنى أن تبقى القضية عبئا على المحتل وعليه أن يدفع ثمن احتلاله بإعطاء أصحاب الأرض حقهم على أرضهم، وأن يبقى الفلسطيني على أرضه، وأن تبقى المقدسات الإسلامية والمسيحية تحتفظ بهويتها في مواجهة التهويد.
كل ما يريده الأردن أن يقدم كل ما يمكن لدعم الأشقاء هناك، وأن يدعم مشروع دولة فلسطينية لأنه يعلم أن هذا التصور هو الذي يؤذي الاحتلال الذي يريد أن تخرج القضية الفلسطينية وأن يخرج الفلسطينيون خارج أرضهم وأن تكون هويتهم الفلسطينية عاطفية بينما هويتهم السياسية وحقوقهم على حساب أرض ودول أخرى.
البعض يضع القضية الفلسطينية على مقياس مصالح فئة أو مجموعة، ويسوق أفكارا أو مشاريع حلول تعزز مصالحه على غير أرض فلسطين، ويريد تحت لافتة القضية أن يصنع لنفسه أو لفئته واقعا ومصالح خارج فلسطين بهوية سياسية ووطنية غير فلسطينية، وفلسطين بالنسبة له جسر يعبر عليه إلى نفوذ يخدم مشروع الاحتلال في إخراج فلسطين خارج فلسطين.