عن قانون السير الجديد..!
علاء الدين أبو زينة
أثارت بعض البنود القاسية في قانون السير الجديد ردود فعل مؤيدة ومعارضة. من ناحية، العقوبات الرادعة للمخالفات الخطيرة ضرورية حين لا تردع المرء أخلاقه وضميره والالتزام بالقانون. ومن ناحية أخرى، يقترح البعض أن تكون العقوبات متدرجة نحو الشدة مشروطة بتكرار المخالفة، وصولا إلى الحبس.
من حيث المبدأ، سوف يشاهد كل واحد منا عدة مخالفات سير يرتكبها مستخدمو الطريق من الشائقين والمشاة –أو يرتكبها هو- في أي وكل مشوار يوميا. وسوف يتساءل عن هذه الإمكانية لإفلات معظم المخالفين بانتهاكاتهم للقانون، ويتمنى الملتزمون لو أن في كل زواية شرطي سير أو كاميرا لضبط المستهترين ومعاقبتهم على الفور. وعندما نسمع كثرة الشاكين من فوضى الطريق نتصور أن الكل ملتزمون ساخطون، فمن أين يأتي كل هؤلاء المخالفون إذن؟ ثمة هذا التناقض المحير في السلوك الاجتماعي، تمامًا مثل توقف السير على المسرب الأيسر الذي يفترض أنه الأسرع، بينما ينساب المسرب الأيمن! لكن أي استنتاج نهائي لن ينكر مجازر السير –حرفيا- التي تُسقط الضحايا مثل حرب أهلية، بالإضافة إلى الشيوع الملفت لمخالفات السير من كل شكل ونوع في كل زاوية وشارع.
في الأصل، ينبغي أن يكون الرادع عن أي سلوك يضر بالذات والآخرين مسألة وعي وثقافة وأخلاق وضمير. وسيكون السلوك في الشارع العام عرضًا حيًا ومباشرًا لنوعية الثقافة والناس –تحضرًا أو همجية. وفي النهاية، إذا لم تردع الضوابط الذاتية الفرد، فإن القانون ينبغي أن يوقفه من أجل تخفيف عناء الجميع. وينبغي أن يرحّب المراعون للقوانين المفيدة بأي قِيم للمخالفات، ببساطة على قاعدة: لا تخالف ولن تضطر إلى دفع شيء (بشرط توخي الدقة وصحة آليات إنفاذ القانون).
وهو ما يقودنا إلى الجزء الغائب –واجبات الدولة تجاه الطريق. مقابل المخالفات المرورية الصارمة، ينبغي أن تقدم الدولة حصتها كاملة. يجب عليها تنظيم حملات تثقيفية وتوعوية شاملة لإبلاغ السائقين بالعقوبات المحَّدثة وآثارها وأهمية ممارسات القيادة الآمنة. وقد يشمل ذلك إعلانات الخدمة العامة، وبرامج تعليم السائقين ، ومبادرات التوعية المجتمعية، وغرس الثقافة المرورية في الأفراد كجزء من التعليم.
يجب على الدولة الالتزام بالإنفاذ والإنصاف. ينبغي ضمان تطبيق قوانين المرور بشكل متسق وعادل. ويشمل ذلك توفير موارد كافية لأجهزة إنفاذ القانون لضمان اتخاذ إجراءات فعالة لحركة المرور، وتنفيذ إجراءات موحدة، ومعاملة جميع السائقين والمشاة بنزاهة وعدالة. سوف يثير الحفيظة أن تتلقى مخالفة نادرة، بينما رأيت عشرات المخالفين توًّا يفلتون بمخالفاتهم، أو أن تجد مخالفة عليك في إربد وأنت لم تذهب هناك في حياتك.
والأهم، البنية التحتية وإجراءات السلامة. يجب على الدولة الاستثمار في تطوير وصيانة بنية تحتية آمنة للطرق. ويشمل ذلك اللافتات المناسبة، وعلامات الطريق، وإشارات المرور، والإضاءة الليلية المناسبة، وتوفير أماكن التوقف والوقوف، والصيانة الكافية والسريعة، وإنشاء الجسور والتقاطعات الآمنة المصممة لتجنب الحوادث وتقليل المخاطر وانسيابية الحركة وتسهيل ظروف القيادة الأكثر أمانًا. وأظن أن بالوسع تصور أن تتحمل الدولة المسؤولية عن حادث السير إذا كانت ظروف الطريق هي التي تسببت به، مثل وجود حفر غير معلّمة، أو غياب الإضاءة أو اللافتات، أو العاكسات وخطوط الطريق، أو سوء تصميم التقاطعات ومداخل ومخارج الأوتوسترادات. من العدل تعويض سائق عن تحطيم سيارته بغطاء عبارة تصريف مفتوح، أو مفاجأته بشيء في الطريق يجبره على التوقف المفاجئ ومواجهة تصادم متسلل، أو الاصطدام برصيف أو جزيرة وسطية بسبب غياب الإضاءة الليلية –أحيانًا بإطفاء المصابيح لتوفير الطاقة، مقابل هدر الحوادث الذي قد يشمل الأرواح!
ينبغي، كشيء من المسلمات، أن تقوم الجهات المعنية في الدولة بجمع وتحليل البيانات الدقيقة عن حوادث المرور، والإصابات والوفيات لتحديد الاتجاهات والمناطق عالية الخطورة. وينبغي أن تساعد هذه المعلومات في تطوير التدخلات والاستراتيجيات المستهدفة لمعالجة قضايا محددة وتحسين السلامة على الطرق. ومن مشاهداتي الشخصية، ثمة تقاطع شارع فرعي مع آخر رئيسي في منطقتنا تقع عليه حوادث متكررة، ولم نرَ أي حل مثل منع الخروج من الشارع الفرعي، أو ضبط السيارات التي تصطف عند المخرج فتحجب الرؤية، أو حتى وضع مطبّ على الشارع الرئيسي المنحدر لتخفيف السرعة قبل التقاء الشارعين!
هذا جزء فقط مما يمكن، وينبغي أن تفعله الدولة في جانب مسؤوليتها حتى تطالب المواطن بتحمل مسؤولياته بنفس مرتاحة: لقد وفرتُ لك كل ما يلزم، وليس لديك عذر لتخالف. وبطبيعة الحال، هناك المسألة الأكثر شمولاً وأساسية: مسؤولية الدولة عن العمل الاستراتيجي، الوطني والوجودي، لتطوير عقل اجتماعي نقدي واعٍ، متمرس في محاكمة المعايير وتمييز الصواب والخطأ، نحو سيادة سلوك اجتماعي خلوق، متحضر ومنتم ومتحرر من سلوكيات القطيع والرعاع. وهو بحث يطول.