أبو رمان يكتب: العرب بلا أيّ قيمة استراتيجية أو وزن سياسي

محمد أبو رمان
ما تزال الدول والحكومات العربية تقع تحت هيمنة المفاهيم والأفكار والسياسات القديمة، التي شكّلت قواعد اللعبة الدولية والإقليمية في المنطقة خلال العقود السابقة، ولم تستطع الدول العربية الانتقال من هذا الإطار إلى البراديم (النموذج) الجديد، أو تغيير المقاربة (Paradigm Shifting) في التعامل مع التطورات الراهنة. الخرافة الكبرى التي لم يتجاوزها العرب أن هنالك من سيضع قيوداً (أو حدوداً) لما يقوم به بنيامين نتنياهو من تدمير وتقتيل وتذبيح بحقّ الفلسطينيين، والمضي في إجبار الدول العربية على القبول بمشروع التهجير القسري للفلسطينيين من غزّة، ولاحقاً من الضفة الغربية، فما يزال العرب يرون ذلك غير ممكن، وأن الإدارة الأميركية مهما كان موقفها المؤيّد (والمتعاطف) لإسرائيل ستأخذ مصالحها وعلاقاتها مع الدول العربية الأخرى بالاعتبار، لكن في الحقيقة لا تعبأ أميركا، ولا تفكّر أيضاً في أن تأخذ بخاطر أصدقائها العرب، ومن يختطف البيت الأبيض اليوم ورئيسه، هم فريق صهيوني متطرّف لا يختلف شيئاً في أفكاره اليمينية عن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومن الواضح أنّهم يحيطون بترامب، ويسيطرون على أفكاره المحدودة أصلاً بصورة مطلقة، لا مجال لمنازعتهم فيها أو تغيير شيء منها.
ما يحدُث في المنطقة يتجاوز كليةً حدود اللعبة السابقة، ويكسّر تماماً الأعراف والاتفاقيات والتفاهمات كلّها، المكتوبة وغير المكتوبة، سواء في سورية ولبنان أو في القدس والضفة، وبطبيعة الحال حرب الإبادة في غزّة، فسياسة نتنياهو- ترامب في المنطقة تقوم على خلق واقع جيوسياسي جديد، وتفتيت أيّ مقومات لقوّة عربية أو إسلامية قادرة على المقاومة أو المواجهة، أو حتى بناء الحدّ الأدنى من توازن قوى، وهو ما حدث (وما يزال) مع إيران في المنطقة، وما يمكن أن يفهم من الرسائل العملية من قصف وضرب وتدمير للبنية التحتية العسكرية في سورية والتمدّد في الجنوب السوري، أو من الرسائل السافرة الوقحة المُعلَنة التي يرسلها قادة الكيان إلى الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، ومن ورائه تركيا، أنّهم يرفضون أن يستبدلوا النفوذ التركي بالإيراني، وأنّهم يرفضون أيّ وجود للجيش السوري الجديد في الجنوب السوري.
أين العالم، أين حقوق الإنسان والمعايير الدولية، أين المواقف الأوروبية الناقدة لنتنياهو وإسرائيل، وأين القوى الدولية والإقليمية الأخرى؟... لا أحد يجرؤ اليوم على الكلام، فضلاً عن الوقوف في وجه تسونامي نتنياهو- ترامب، فمنذ جاء ترامب تغيّر المشهد بالكلّية، ليس في المنطقة فقط، بل في العالم، وحتى يكون هنالك طرفٌ دولي آخر ينهض، أو يكون مستعدّاً لتحدّي ترامب، فإن هذه اللحظة التاريخية الحرجة هي التي يدرك نتنياهو أنّها تمثّل فرصةً تاريخيةً له لاستكمال المشروع الصهيوني، وإنهاء (ما يعتقد أنّها) أخطاء سابقيه، سواء من عدم طرد الفلسطينيين بصورة كاملة من فلسطين كلّها، أو اتفاق أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية، ولن يجد أكثر من فريق ترامب الحالي داعماً وصديقاً، بل ملتزماً مخلصاً لمصالح اليمين الإسرائيلي تحديداً ورؤيته التلمودية.
لم يردّ البيت الأبيض رسمياً على خطّة العرب لإعادة إعمار غزّة، بل أعطى الضوء الأخضر لنتيناهو لتنفيذ مخطّط التهجير في الواقع، والقناعة الحقيقية لدى إدارة ترامب أن العرب اليوم أصفار بلا رقم صحيح، وأنّهم سيقبلون (في نهاية اليوم) ما يفرضه عليهم، وما يقومون به اليوم من رفض وممانعة لخطّة نتنياهو- ترامب، بإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، ليست إلا مواقفَ لحفظ ماء الوجه، لأنّهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون حتى القدرة على التفكير بتحالف إقليمي لإعادة بناء الردع أو توازن القوى في المنطقة، ومن ثم ما يرفضونه اليوم سيقبلون به عاجلاً أم آجلاً.
اللغة الدبلوماسية والأعراف الدولية ومحاولات إقناع إدارة ترامب بالرؤية العربية... ذلك كلّه بلا معنى، تجاوزته الإدارة الأميركية. لا قيمة له، ما دمت أنّك لا تمتلك القوة ولا الإرادة التي تستطيع أن تعدّ بها أوراقك على الطاولة، ألم يقل ذلك ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (في البيت الأبيض)، "لا تملك أوراقاً في اللعبة"؟!... نعم، أيها السادة، انزعوا المكياج فنحن (العرب) اليوم بلا وزن سياسي أو قيمة استراتيجية، ولا نملك أن نغيّر شيئاً ضمن المنطق الحالي الذي يحكم النظام الرسمي العربي.