الديري تكتب: من أجل غزة... لكن ليس على حساب وطننا

بقلم حلا الديري
في الوقت الذي تهتز فيه قلوبنا مع كل صورة لطفل في غزة، ومع كل صوت لانفجار يهدم بيتًا أو حياة، نجد أنفسنا كأردنيين لا نقف موقف المتفرج، بل نشعر، نغضب، ونتألم. فغزة ليست مجرد مدينة محاصرة؛ إنها وجع يسكن كل بيت أردني، وقضيتها ليست بعيدة عن وعينا الوطني والإنساني.
لكن، وسط هذه المشاعر الصادقة، ظهرت دعوات للعصيان المدني في الأردن، تحت شعار التضامن مع غزة. دعوات تملأ الفضاء الرقمي وتحث الناس على الامتناع عن العمل، إغلاق المحال، وتعطيل الحياة اليومية.
وهنا، لا بد من وقفة.
نعم، نحن مع غزة قلبًا وروحًا، لكننا نرفض أن يكون الثمن أمننا واستقرارنا. لا يمكن أن نحمل الوطن فوق أكتافنا، ثم نحاول الضغط عليه من حيث لا نشعر. العصيان المدني ليس الوسيلة، بل هو سلاح ذو حدين، لطالما استُخدم في بلاد انهارت من بعده مؤسسات، واحترقت فيها الشوارع، وغرق الناس في الفوضى.
نصرة غزة لا تكون بتعطيل وطننا
نصرة أهلنا لا تكون بتعطيل الدراسة ولا بإغلاق المتاجر ولا بوقف عجلة الحياة. بل تكون بالفعل الحقيقي: بالتبرع، بالدعاء، بالمقاطعة المدروسة، وبالدعم المعنوي والميداني والإعلامي الذي لا يُربك الداخل ولا يعطّل استقرارنا الذي نحمد الله عليه في كل لحظة.
ألم نتعلم من تجارب الشعوب من حولنا؟ ألم نرَ كيف بدأت الأمور بـ"عصيان مدني" وانتهت بفوضى شاملة؟ نستنكر الظلم الواقع على غزة بكل جوارحنا، لكننا لا نريد لبيوتنا أن تُهدم، ولا لأرزاقنا أن تُغلق، ولا لأمننا أن يتزعزع، فقط لنثبت موقفًا يمكننا التعبير عنه بطرق أذكى وأكثر تأثيرًا.
صوت العقل... أقوى من فوضى الحماس
لا أحد يشكك في نوايا الناس الطيبة، فكل من دعا أو استجاب للعصيان تحركه عاطفة إنسانية نبيلة. لكن الوطن لا يُدار بالعاطفة وحدها، بل بالحكمة. ولا تُنصر القضايا بالاندفاع غير المدروس، بل بالاتزان والوعي، وحماية الجبهة الداخلية، التي هي أساس كل قوة خارجية.
في الختام...
غزة تستحق أن نقف معها، لكن لا على حساب أمننا.
غزة تنادينا، لكن لا يجب أن نُغلق الأبواب على أهلنا في بلدنا.
فلنتعلم من الرسائل الملعونة التي أطاحت بدولٍ كانت أقوى منا، كيف تبدأ الفوضى بشعار بريء، وتنتهي بكارثة وطنية.
فلنحافظ على وطننا، وننصر غزة بالحكمة، لا بالفوضى.