‏التضخم .. قادم لا محاله؛

{title}
أخبار الأردن -

منذ أكثر من عام تقريباً والتقارير ترصد وتتوقع حدوث تضخم وارتفاع مستقبلي للأسعار وبعض ممن كنت أناقش معهم ذلك لا يعتقدون بحدوث التضخم.
الأسباب التي تجعلنا نتوقع هذا التضخم عدة، أولها كمية طباعة الدولار خلال فترة كوفيد والتي تعد الأكثر خلال العشر سنوات الماضية. أما الثاني توقع ارتفاع النفط بسبب زيادة الاستهلاك الى 120 دولار بين النصف الثاني من هذا العام وآخره، وقد سرّع الدخول الروسي للأراضي الأوكرانيه ذلك وسجل النفط ارتفاعات كبيرة ومتسارعة، كما أنه متوقع أن يأخذ النفط منحنى الارتفاع في الفترة القادمة حتى يصل إلى ما بين 160 إلى 180 دولار، بل أكثر من ذلك متأثراً بنتائج الحرب واستمرارها وتوسعها إلى أبعد مما هي عليه اليوم. والسبب الثالث الحرب الروسية الأوكرانيه التي أثرت بشكل مباشر على بعض المنتجات الغذائية والأسمدة التي ارتفعت إلى نسب لم تصل إليها سابقاً. وقبل كل ذلك فقد كانت سلسلة الإمدادات (supply chain) المؤثر الأول في بداية التضخم حيث ارتفعت تكلفة الشحنات القادمة من الصين خاصة، وتلاها ارتفاع تكلفة الشحن العالمي إلى أرقام فلكية، فعلى سبيل المثال كانت تكلفة شحن الكونتينر من الصين إلى بعض دول أفريقيا تتراوح ما بين 2500 و 3000 دولار، أما في الفترة القريبة الماضية وصل إلى 12500 دولار، مما أدى إلى رفع تكلفة البضاعة لأكثر من 15%.
التضخم الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة ينقسم إلى نوعين رئيسيين، الأول ينتج عن نمو اقتصادي سريع يولّد زيادة في الدخل، والثاني ينتج بسبب الكوارث والحروب، ونحن الأن نعيش النوع الثاني. ارتفاع الأسعار في النوع الثاني قد يكون سببه الأساسي ارتفاع تكلفة المواد الأولية للمصانع و/أو ارتفاع تكلفة المحروقات. أما القول بأن ارتفاع الأسعار سببه جشع التجار فهو غالباً بعيد عن الواقع، لأن أسعار السلع في حد ذاتها ارتفعت من المصدر وليس من التاجر، رفع الأسعار دون سبب قد يكلف التاجر خسارة جزء كبير من شريحة الشراء وبالتالي تكسد تجارته. ومن خلال ما رأيته شخصياً، ارتفعت أسعار إحدى المواد أكثر من 58% والأخرى أكثر من 80%، ولم نقم برفع الأسعار إلا بعد أن رفعها المنافسون وكانت نسبة زيادة أسعارنا 11% فقط، وتم تحمّل التكلفة الإضافية حتى لا نخسر نسبة من الحصة السوقية.

ما نراه اليوم من ارتفاع للأسعار (تضخم) أسبابه الرئيسية ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والمواد الأولية وكذلك ارتفاع تكلفة الشحن، الجدول المرفق يوضح نسبة ارتفاع بعض المواد الغذائية في أمريكا، فبعض الارتفاعات وصلت إلى أكثر من 50%، وفي المتوسط كانت حوالي 30%.

 أعتقد بأننا لم نصل إلى الارتفاع الحقيقي للأسعار بعد، فارتفاع النفط لم يؤثر على تكلفة البضائع بعد، والحرب لازالت نسبياً محدودة بين روسيا وأوكرانيا، والمؤشرات تتوقع استمرارها وتوسع رقعتها الجغرافية بدخول دول أخرى مع هذا الطرف أو ذاك، ومع ما نراه من تراشق في التصريحات بين الصين وأمريكا بسبب تايوان (حيث أن أمريكا أصدرت قرارات بعسكرة المناطق المحيطة بالصين وأهمها تايوان، بينما الصين ترى تايوان مقاطعة يجب أن ترجع إلى جمهورية الصين) فالمتوقع أن تحدث شرارة قد تسبب حرب في بحر الصين.
 يبين الرسم البياني النسب المتوقعة خلال السنوات القادمة، من المتوقع أن يصل التضخم إلى 10% خلال منتصف العام القادم وحتي بداية العالم الذي يليه. (شخصياً أتوقع أكثر من هذه النسبة بكثير وقد تتضاعف الأسعار بناء على الظروف العسكرية في أوروبا والصين)

في حال ما توسعت دائرة الحرب في أوروبا و/أو تم إشعال شرارة في بحر الصين، فذلك سيؤثر بشكل كبير على سلسلة الإمداد، كما وسيؤثر على ناتج المحاصيل الزراعية بانخفاضه وبالتالي زيادة الطلب على العرض العالمي مما سيشكل عبء كبير على كل دول العالم خاصة الدول المستوردة، هذا النقص سوف يؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار.

بعض الاقتصاديين العالميين يتوقعون أن يمر العالم بتضخم يفوق أي تضخم مر على العالم في القرن السابق، والبعض يرى أن نسبة التضخم ستكون من النسب القريبة من الطبيعية كالتي في الرسم البياني. وفي كل الأحوال فإن التضخم قادم لا محاله وعلينا أن نحتاط لذلك، وأفضل حل هو عملية تخطيط الميزانية من الآن ومعرفة ما يمكن الاستغناء عنه من الأمور الكمالية، فلا أحد يعلم متى ومدى الارتفاع في التضخم.

كل ما سبق يندرج تحت الكثير من التوقعات والمسببات، فمثلا طول الحرب الروسية أو دخول أطراف أخرى فيها، ارتفاع النفط، شرارة الحرب بين الصين وأمريكا، كل هذه الأمور لا نعرفها اليوم، بل نتوقعها، ويمكن لهذه التوقعات أن لا تكون صحيحة، أو لا تصل إلى أرض الواقع وإن وصلت لا تكون بنفس الحدة التي نتحدث عنها اليوم، فعندها سوف تختلف مخرجات التحليل.

د احمد الشيخ

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير