هذه هي مخارج الأردن لتجاوز الفخ الترامبي

{title}
أخبار الأردن -

قال الخبير الاقتصادي محمد البشير إن القرار الأمريكي الأخير بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات ليُشكّل منعطفًا استراتيجيًا ستكون له تداعيات عميقة على الاقتصاد الدولي، لا سيما على الدول التي تعتمد في جزء كبير من تجارتها الخارجية على السوق الأمريكية.

وأوضح أن هشاشة البنية الاقتصادية الأردنية، التي تتسم بدرجة عالية من الانكشاف على السياسات التجارية للدول الكبرى، تفرض على الأردن مقاربة مزدوجة قائمة على التصدي للانعكاسات السلبية من جهة، وتعظيم فرص المناورة الاقتصادية عبر إعادة هيكلة السياسات الجمركية والضريبية من جهة أخرى.

وبيّن البشير أن إعادة تقييم الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية باتت مسألة حتمية في ضوء التغيّر في قواعد اللعبة الاقتصادية، فمنذ سنوات خفّض الأردن الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات الأمريكية تحت عنوانين رئيسيين، الأول عبر إحلال ضريبة المبيعات محل الرسوم الجمركية في بعض القطاعات، مما منح السلع الأمريكية ميزة تنافسية على حساب المنتجات المحلية والمستوردة من دول أخرى، أما الثاني فجاء نتيجة لضغوط سياسية مارستها الإدارة الأمريكية، خصوصًا في قطاع السيارات، حيث فرضت واشنطن معايير أمريكية وأوروبية على السيارات المستوردة من الصين، مما ساهم بشكل مباشر في تعزيز الهيمنة الأمريكية على السوق الأردني.

وذكر أن الرد المنطقي يقتضي إعادة فرض رسوم جمركية تصاعدية على السيارات الأمريكية، فضلًا عن توسيع نطاق هذا التوجه ليشمل سلعًا أخرى بحيث يتم توظيف هذه الأدوات كآلية للضغط المضاد وإعادة رسم معادلة التجارة الثنائية وفق رؤية أكثر توازنًا، ورغم أن اتخاذ إجراءات حمائية مثل فرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية قد يكون خطوة ضرورية لموازنة التأثيرات السلبية للقرار الأمريكي، إلا أن ذلك وحده لا يكفي لحماية الاقتصاد الأردني، إذ إن التحدي الأكبر يتمثل في ارتفاع كُلف الإنتاج محليًا، والتي تُعدّ من أبرز العوامل التي تعوق قدرة الصادرات الأردنية على المنافسة في الأسواق العالمية.

ولفت البشير الانتباه إلى أن معالجة هذه المعضلة تستوجب إعادة النظر في عدة محاور رئيسية، حيث إن فرض ضريبة مبيعات على مدخلات الإنتاج الصناعي، لا سيما تلك المخصصة للتصدير، يُشكل عبئًا إضافيًا يحدّ من قدرة القطاع الصناعي على تعزيز صادراته، ولذلك فإن تخفيف الأعباء الضريبية، سواء عبر إلغاء أو تخفيض ضريبة المبيعات على المواد الخام والسلع نصف المصنعة، يُعدّ إجراءً ضروريًا لتحفيز الصادرات الأردنية في ظل اشتداد المنافسة الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الشحن، والتخزين، والخدمات المرتبطة بسلاسل التوريد يزيد من كُلفة المنتج الأردني، مما يجعله أقل جاذبية في الأسواق الخارجية، وهو ما يستوجب تقديم حوافز للشركات اللوجستية التي تدعم الصادرات، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة البنية التحتية للنقل والخدمات المساندة، مضيفًا أن تعرفة الكهرباء والوقود المرتفعة تُشكّل أحد أكبر المعوقات التي تواجه القطاع الصناعي الأردني، الأمر الذي يستوجب وضع سياسات دعم موجهة للمصانع التي تُحقق قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني وتستهدف الأسواق الخارجية.

ودعا البشير إلى ضرورة تنويع الأردن لأسواقه التصديرية وتقليل اعتماده على السوق الأمريكية التي تمثل حاليًا نحو 25% من إجمالي الصادرات الأردنية، فتحقيق ذلك يتطلب تعزيز العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي عبر تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة معه، واستغلال الفرص المتاحة في إطار البرامج الأوروبية لدعم الاقتصادات الناشئة، والتوسع في الأسواق الآسيوية والإفريقية التي تشهد طلبًا متزايدًا على المنتجات الصناعية والغذائية، لا سيما في ظل التطورات الجيوسياسية التي تدفع العديد من الدول إلى البحث عن شركاء تجاريين جدد بعيدًا عن النفوذ الأمريكي، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال تعميق العلاقات التجارية مع دول الجوار العربي، بما يتيح زيادة الصادرات الأردنية وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية، خصوصًا في ظل التسهيلات الجمركية التي توفرها الاتفاقيات العربية المشتركة.

واستطرد قائلًا إن القرار الأمريكي الأخير يُشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاقتصاد الأردني على الصمود والتكيف مع الصدمات التجارية العالمية، وبينما يُمثل هذا القرار تهديدًا واضحًا للاستقرار الاقتصادي الأردني، فإنه يُمكن في الوقت ذاته أن يُحفّز على تبني إصلاحات اقتصادية طال انتظارها، تتراوح بين إعادة النظر في السياسات الجمركية، وتخفيض كُلف الإنتاج، وتعزيز الشراكات التجارية مع الأسواق البديلة، مشيرًا إلى أن نجاح الأردن في تجاوز هذه الأزمة لن يكون مرهونًا فقط بالقدرة على اتخاذ إجراءات حمائية، وإنما أيضًا بقدرته على صياغة استراتيجية اقتصادية متكاملة تُمكنه من تعزيز تنافسيته في ظل بيئة اقتصادية دولية متغيرة ومعقدة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير