القادم سيقلب المنطقة برمتها

قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إننا أمام مشهدٍ يؤكد أن المنطقة على أعتاب تحولٍ استراتيجي غير مسبوق، تكثفت التحركات العسكرية والدبلوماسية بين واشنطن وتل أبيب، مدفوعةً بتقديراتٍ أمنية ترى أن إيران تجاوزت الخطوط الحمراء فيما يتعلق ببرنامجها النووي والصاروخي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن تل أبيب شهدت انعقاد مجلسٍ عسكري مشترك رفيع المستوى، وُصف بأنه اجتماعٌ استثنائي، جمع قادة القيادة المركزية الأمريكية بنظرائهم الإسرائيليين، في خطوةٍ تحمل دلالاتٍ بالغة العمق، سواء على مستوى التوقيت أو طبيعة المداولات التي امتدت لساعاتٍ طويلة، فيما يبدو أنه مرحلة الإعداد النهائي لعمليةٍ عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وبيّن العتوم أن واشنطن بدأت بنقل منظومات دفاعٍ جوي متطورة من قواعدها في كوريا الجنوبية إلى عدة مواقع في الشرق الأوسط، في خطوةٍ تعكس إدراكًا أمريكيًا لحتمية تحصين أصولها العسكرية وحلفائها الإقليميين ضد أي ردود فعلٍ إيرانية محتملة، مضيفًا أن هذه التحركات تأتي في سياقٍ متزامن مع قيام القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية بتكثيف طلعاتها الاستطلاعية فوق العمق الإيراني، مستخدمةً طائرات الشبح F-35، وهو مؤشرٌ قوي على أن مرحلة جمع البيانات الميدانية شارفت على نهايتها، إيذانًا بالانتقال إلى التنفيذ الفعلي حال اتخاذ القرار النهائي بالتصعيد العسكري.
وذكر العتوم أن ما يضيف مزيدًا من الجدية إلى هذه السيناريوهات هو التقارير التي تتحدث عن عمليات تخريبٍ داخلية تستهدف منشآت نطنز وفوردو وأراك النووية، وهو ما قد يشكل تمهيدًا لضربةٍ جويةٍ شاملة تسعى لضمان شلّ القدرات الإيرانية النووية والصاروخية قبل أن تتمكن طهران من تنفيذ أي ردٍّ فعال، مستطردًا أننا أمام ما يمكن وصفه بإستراتيجية "الهجوم المرحلي"، التي تهدف إلى استنزاف الخصم من الداخل قبل توجيه الضربة القاضية.
وأشار إلى أن اختيار الإدارة الأمريكية عدم استخدام قواعدها العسكرية في دول الشرق الأوسط كنقطة انطلاقٍ رئيسية للهجوم، مفضلةً قاعدة "دييغو غارسيا" في المحيط الهندي، يعد من المفارقات المثيرة في هذا السياق، وهي تعكس مقاربةً أمريكية حذرة تهدف إلى تحييد دول المنطقة عن تداعيات الصراع قدر الإمكان، وتفادي منح إيران ذريعةً لجرّ حلفاء واشنطن الخليجيين إلى مواجهةٍ مباشرة.
ولفت العتوم الانتباه إلى أن الساحة الإعلامية الإسرائيلية شهدت تصعيدًا واضحًا في الخطاب، حيث أجمعت معظم وسائل الإعلام العبرية على أن الهجوم ضد إيران أصبح مسألة وقتٍ لا أكثر، مع ترجيحاتٍ بأن الضربة المرتقبة قد تكون الأوسع منذ الحرب العالمية الثانية، سواء من حيث كثافة النيران المستخدمة أو طبيعة الأسلحة التي سيتم توظيفها.
ونبّه إلى أن يزيد من خطورة هذا المشهد، هو توقعات المحللين العسكريين بأن التكتيكات الدفاعية الإيرانية لن تكون قادرةً على مواجهة حجم القوة النارية التي سيتم توجيهها ضدها، خاصةً مع المعلومات التي تتحدث عن عزم واشنطن وتل أبيب استخدام أسلحةٍ نوعية لم يسبق اختبارها في أي نزاعٍ عسكري سابق، إلى جانب تنفيذ عمليات تشويشٍ إلكتروني مركزة تستهدف تعطيل منظومات القيادة والسيطرة والدفاعات الجوية الإيرانية قبل بدء الضربات الجوية المباشرة.
وتابع أن المشهد بات يتجه نحو أحد مسارين لا ثالث لهما: إما أن ترضخ طهران للمطالب الدولية وتقبل بتفكيك مشروعها النووي والصاروخي، مع إنهاء استراتيجيتها القائمة على دعم حروب الوكالة، وإما أن تواجه ضربةً عسكرية قد لا تقتصر على استهداف بنيتها التحتية النووية، بل قد تمتد إلى محاولة فرض تغييرٍ جذري في طبيعة النظام الحاكم في طهران.
وأكد العتوم أن الشرق الأوسط أمام نقطة تحولٍ كبرى، وأن الأيام المقبلة قد تحمل في طياتها قراراتٍ سترسم ملامح النظام الإقليمي لعقودٍ قادمة، سواء عبر تفاهماتٍ قسرية، أو من خلال مواجهةٍ عسكرية ستكون الأكثر حسماً منذ بداية القرن الحادي والعشرين.