لماذا فعل ترامب ذلك؟... الشيخ تجيب "أخبار الأردن"

صرّحت خبيرة سلاسل التوريد العالمية، الدكتورة مها الشيخ بأن التنافس الاقتصادي أصبح مشروطًا بمقتضيات الاستراتيجية السياسية للدول العظمى، التي باتت تستخدم التجارة سلاحًا للإخضاع، والرسوم الجمركية أداةً لفرض الإملاءات الاقتصادية، بما ينعكس على بنية الاقتصاد العالمي، ويهدد الاستقرار المالي والتجاري للدول الناشئة والنامية على حد سواء.
وأوضحت في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الإجراءات الحمائية التي تبنّتها الولايات المتحدة لم تكن مجرد تدابير اقتصادية ظرفية تهدف إلى حماية صناعاتها الوطنية أو تقليص العجز التجاري، بقدر ما كانت خطوة ممنهجة تهدف إلى إحكام قبضتها على النظام الاقتصادي الدولي، مضيفة أن ذلك تجلى بوضوح في السياسات التي دشنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، مستندة إلى قانون التوسع التجاري لعام 1962، الذي يُخوِّل للرئيس فرض قيود على الواردات تحت ذريعة حماية الأمن القومي، وهو مبدأ فضفاض يُوظّف لتبرير تدخلات اقتصادية ذات أبعاد سياسية بحتة.
وبالرغم من محاولات واشنطن تسويق هذه الإجراءات باعتبارها ضرورة لحماية الأمن القومي الأمريكي، فإن المتأمل في آليات اتخاذ القرار يجد أنها كانت في جوهرها موجهة لخدمة أهداف انتخابية بحتة، إذ استهدفت ولايات استراتيجية مثل بنسلفانيا وأوهايو، حيث تُعد الصناعات الثقيلة إحدى الركائز الاقتصادية التي تعتمد عليها هذه المناطق، مما عزّز من فرص كسب تأييد الناخبين هناك، ومع ذلك، فإن لهذه السياسات تداعيات كارثية على المستوى الدولي، حيث أدت إلى اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق، شملت تباطؤ النمو، وارتفاع معدلات البطالة، وتغيير أنماط التجارة العالمية، مما زاد من هشاشة الاقتصاد العالمي، وخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية، وفقًا لما صرّحت به الشيخ لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشارت إلى أن الرد الدولي لم يتأخر على هذه الخطوات التصعيدية، حيث سارعت كل من الصين، والاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك إلى فرض رسوم جمركية انتقامية على المنتجات الأمريكية، في مشهد يعكس تصاعد حدة الاستقطاب الاقتصادي بين القوى الكبرى، ومع استمرار هذا النهج، أصبح من المرجح أن نشهد تفكيكًا تدريجيًا لسلاسل التوريد العالمية، وإعادة هيكلة عميقة في الأنماط التجارية، حيث ستتجه الدول إلى البحث عن موردين بديلين خارج الولايات المتحدة، مما سيؤثر بشكل مباشر على قطاعات حيوية، مثل صناعة السيارات التي تعتمد على شبكات إمداد معقدة تمتد عبر قارات متعددة.
ونوّهت الشيخ إلى أن الأخطر من ذلك هو عدم اقتصار تداعيات هذه الحرب التجارية على مجرد فرض رسوم على الواردات، فقد تمتد لتُحدث خللًا هيكليًا في الاقتصاد العالمي، إذ إن ارتفاع تكلفة الإنتاج، وتزايد التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، كلها عوامل تُفضي إلى تآكل القوة الشرائية للمستهلكين، وهو ما يهدد استقرار الأسواق الناشئة التي تعتمد على المواد الخام والتكنولوجيا المستوردة من الولايات المتحدة.
وذكرت أنه مع دخول قانون "شراء المنتجات الأمريكية" حيز التنفيذ، فإن الشركات والمستثمرين سيواجهون ارتفاعًا في التكاليف بنسبة قد تصل إلى 30%، الأمر الذي سيؤدي إلى هروب رؤوس الأموال، وتباطؤ تدفقات الاستثمار، وتزايد الضغوط على العملات المحلية، إلى جانب ارتفاع متوقع في أسعار الفائدة على القروض التجارية، وهو ما يعزز المخاطر المالية على مستوى الاقتصاد الكلي.
ولفتت الانتباه إلى أن الدول العربية، لا تبدو للوهلة الأولى طرفًا رئيسيًا في هذه الحرب التجارية، لكنها تبقى في موقع حساس بحكم ارتباط اقتصاداتها الوثيق بالسوق الأمريكية، فالولايات المتحدة، التي لطالما تبنّت خطابًا يُروّج لمبدأ حرية التجارة، تحوّلت اليوم إلى قوة تسعى إلى إحكام سيطرتها على الصناعات الاستراتيجية عبر فرض قيود انتقائية على التجارة، مما يضع الدول العربية، التي تعتمد على تصدير مواردها الطبيعية أو استيراد التكنولوجيا والمعدات الصناعية من الولايات المتحدة، أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب إعادة صياغة استراتيجياتها الاقتصادية، وتنويع أسواقها، والاستثمار في البنية التحتية الصناعية الداخلية لضمان قدرتها على التكيف مع التحولات المتسارعة في الاقتصاد العالمي.
واستطردت قائلة إن كافة المؤشرات تُنذر بأن استمرار التصعيد التجاري بين القوى الكبرى قد يقود إلى حالة من الركود التضخمي، حيث يتباطأ النمو الاقتصادي في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات التضخم، وهو سيناريو بالغ الخطورة يُهدد استقرار النظام المالي العالمي، فإذا لم تتمكن القوى الكبرى من احتواء هذه التداعيات عبر آليات تفاوضية أكثر توازنًا، فقد نشهد انهيارًا في سلاسل التوريد، وتفككًا في النظام المالي العالمي، وعودة إلى سياسات الاكتفاء الذاتي التي قد تعيد الاقتصاد الدولي إلى مرحلة أشبه بما شهدناه خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
وأشارت الشيخ إلى أن الرسوم الجمركية باتت تتحول من مجرد أدوات حمائية إلى أسلحة اقتصادية تُستخدم لترسيخ النفوذ السياسي للدول العظمى، ومن هذا المنطلق، فإن الدول التي تسعى إلى الحفاظ على استقرارها الاقتصادي عليها أن تعيد تقييم علاقاتها التجارية، وتنويع أسواقها، وتعزيز استقلالها الصناعي والتكنولوجي، لتفادي الوقوع في شرك التبعية الاقتصادية الذي أصبح أحد أبرز أدوات الصراع في النظام العالمي الجديد.