الدفاتر العتيقة بين الأردني وحكوماته
ماهر أبو طير
تمر الأرقام هكذا في سماءات عمان، وحين تقرأ رقما عن وجود 550 ألف سيارة غير مرخصة في الأردن، وتسير بلا ترخيص ولا تأمين فتدرك أننا وسط فوضى خلّاقة جدا.
الحكومة أعلنت عن إعفاءات من الرسوم من أجل إعادة ترخيص هذه السيارات، بهدف تغذية الخزينة بالنقد الساخن في ظل هذه الظروف، وهي أيضا تستهدف ترخيص السيارات بدلا من سيرها على الشوارع باعتبارها مجرد كتل حديدية مجنحة تقتل يمينا ويسارا، ولا يوقفها أحد.
لو أوقفها الأمن العام لما وجد مكانا لتخزينها أو حجزها، فقد وصلنا الى استعصاء لا نجد فيه مكانا لشخص مطلوب للتنفيذ القضائي، ولا موقعا لحجز سيارة من هذه السيارات التي لا يجوز أن يتذرع أصحابها بقلة المال لعدم الترخيص كل عام، وإن كانت قلة المال تؤدي إلى هكذا ظواهر في بعض الأحيان، وقد تؤدي إلى ما هو أكثر حسبما نرى كل يوم.
هل جرب أي وزير في الحكومة الحالية الخروج وسط الأزمات واستعمال سيارته الشخصية، في ساعات الصباح والمساء، ليخبرنا عن الوقت الذي يحتاجه لقطع الطريق وبيننا أكثر من مليوني سيارة تعمل جابية للضرائب فقط، بسبب ضريبة البنزين، وهذه السيارات موظفة بارت تايم لدى الحكومات، فهي تأخذ منك الضريبة بنعومة من خلال صفيحة البنزين، وتلوث الأجواء، وتغلق الطرقات وتجعل الحياة في الأردن صعبة، ومتوعرة، فيما المصارف لا يهمها سوى الفوائد الربوية، وتعطيك السيارة دون أن يرف لها جفن، ما دامت محجوزة حتى تسدد قرضها.
كل الحكومات تقول لك إنها ستحاول زيادة فرص العمل وخفض البطالة، لكنك لا تسمع حكومة تتحدث عن البنى التحتية المتضررة، وإن كنا بخير إلى حد ما، حتى لا نبدو سلبيين، وهذه البنى تتراجع يوما بعد يوم في كل القطاعات، بسبب سوء التخطيط وقلة المال، وعدم الاهتمام، وليس أدل على ذلك من أن البنى التحتية في شوارع العاصمة لم تعد مناسبة أبدا لهذا الوضع، مع الإقرار هنا أن حق شراء السيارة حق مصان اقتصاديا وإنسانيا، وليس منّة على أحد.
هناك ظواهر تنشأ بسبب التراجع الاقتصادي، من الاعتداء على المياه، مرورا بالكهرباء، وصولا إلى عدم ترخيص السيارات، وعدم دفع المسقفات، أو أي مطالبات حكومية، والتهرب من الضريبة وهي ظواهر تتعمق يوما بعد يوم، لأن الحياة أصبحت صعبة، ولا يمكن للأردني أن يسدد كل هذه الالتزامات ونجد بيننا من تلاحقه جامعة لدفع رسومه، أو مستشفى لدفع فاتورة العلاج، والتعثر سيد الموقف، وهناك عشرات آلاف المحلات التجارية في عمان والزرقاء وإربد ومدن ثانية لم تعد تجدد ترخيصها، فالمال قليل، والبيع أقل، والرزق على الله.
لكل ما سبق وبعيدا عن لطمية السيارات غير المرخصة وعددها، نقترح على الحكومة إطلاق مبادرة كبرى تشمل خصومات على كل أنواع الضرائب والرسوم وما تطلبه الحكومة والبلديات والمؤسسات وغيرها، من الناس، من خلال تحديد حزمة كبيرة من هذه البنود، وإطلاق المبادرة في توقيت محدد، وهذا سوف يساعد الحكومة على جمع مبالغ مالية مذهلة، وفي الوقت نفسه التخفيف عن الناس، بما يساعد الخزينة أيضا على سداد المتأخرات التي عليها للقطاع الخاص، بدلا من هذه الحالة، حيث نضع أيدينا في جيب الحكومة، وتضع الحكومة يدها في جيوبنا، وفقا لسياسة "تلبيس الطرابيش" ونحن على ثقة أن هناك من يسمع، ولديه القدرة على قرار مبتكر مختلف، مع اقتراب عام جديد محمّل بالتزاماته وقصصه ودفاتره العتيقة أيضا.