عن المال

{title}
أخبار الأردن -

  عبدالهادي راجي المجالي

.. أحياناً يكون رأس المال متوحشاً شرساً مستغلاً، وأحياناً يكون غير ذلك..

في الأردن يتدخل الاستعراض في رأس المال.. مثلا بعض أصحاب رؤوس الأموال يؤسسون جمعيات أو مؤسسات تحمل أسماءهم.. بعضهم ينفق على الإعلام كثيرا كي يذكر اسمه بأنه صاحب يد بيضاء، بعضهم يتبرع للأندية باعتبارها منصات جماهيرية.. والبعض الآخر يحاول اقتحام السياسة كي يزاوج بين رأس المال والسلطة.. والبعض الاخر يجد في المناسف وسيلة ترويج مهمة لتخليد الاسم.

من صفات رأس المال في الأردن أيضا، الاهتمام بالجاهات.. والعطوات والبذخ المفرط، وأحيانا ينزع البعض للحديث عن الهوية.. وعن عدد من يعملون لديهم من أولاد البلد وأعداد من يعيلون وكم أنفقوا وكم درسوا وكم وظفوا.. وبعض أصحاب رؤوس الأموال يحاولون أيضا التميز بدعم قطاعات مثل الموسيقى.. باعتبار أن العالم تغير ولا بد من الانفتاح، وبعضهم يلجأ للتنظير تحت باب أن تجميع الثروات يرتبط بالعقل والحكمة.. ولا بد من أن يستفيد المجتمع من نظرياتهم وحكمتهم.. لا بل تصل بهم النرجسية إلى عرض سيرة حياتهم عبر أفلام وكتب.

الوحيد في الأردن الذي خرج من هذه المنظومة هو صبيح المصري.. لم يقف يوماً في حياته على جمال تنحر لحضوره ولا على ولائم تقام تكريما له، لا يوجد مؤسسة واحدة ثقافية أو فنية أو خدمية تحمل اسمه.. رفض قصة الكتب والسيرة الذاتية، وربما حتى لو فتحت (اليوتيوب) فكل ما ستجد عنه.. بعض الأفلام لاجتماعات مجالس إدارة جاء إليها سريعا ثم غادر، لم يقف يوما في استاد عمان لكرة القدم ويقدم (شيكات) تحفيزية للأندية.. لم يقم بتسجيل اسمه في حزب.. ولا يحب السياسة، حاولت أن أجد له ولو تصريحاً يتعلق بالسياسة أو يلمح لها ولم أجد..

نصف الأردنيين لا بل أغلبهم لا يعرفون شكله، بل يعرفون اسمه فقط.. أجرى عملية لقدمه في مستشفى خاص بعمان، ومن أجراها له طبيب أردني.. وكان بإمكانه أن يسافر إلى لندن ويحجز كامل مستشفى (كروم ويل).. ما زال يصر على الاستفادة من النقاط الممنوحة له على تذاكر الملكية، ويسافر بها.. ويصر على أنها أكثر شركة أمانا في الشرق الأوسط مع أن بإمكانه شراء طائرة خاصة.

حين يهبك الله المال الأصل أن يكون لراحتك، ولمنفعة الناس.. وحين تنفقه الأصل أن لا تعلم اليد اليسرى ما أنفقت اليمنى، لكن الأردن مؤخرا صار المال فيه وسيلة استعراض، وصار كثير من أصحاب رؤوس الأموال كأنهم يريدون امتلاك القرار والسلطة والنفوذ عبر المال.

هذا المقال ليس للتقرب إلى شخص صبيح، فمن مثله ليس بحاجة لي ولا لقلمي.. ولكن الانتخابات الأخيرة أفرزت لنا صورة سلبية جدا لرأس المال.. ومطاعم عمان صارت تفرز صورة أكثر سلبية، وجمعياتها وأنديتها صارت أيضا تعكس حجم نفوذ المال.. لا حجم الإبداع.

في النهاية كل من يملكون القصور والسيارات الفارهة والأرصدة.. كلهم هل يستطيعون صياغة، جملة في حب البلد.. حبرها التراب، وبلاغتها الوجوه.. وحروفها مأخوذة من الصبر ونبض القلب.. هل يستطيعون صياغة جملة في حب البلد مثل صغت عبر رحلتي في الإعلام.. الدولار حتما سيفنى ولكن الكلمة لا تفنى ولا تموت، تبقى حية أبد الدهر..

شكرا للذين يملكون المال، ولكنهم يملكون أرصدة من الزهد أكثر من المال.. مثل صبيح المصري، وشكرا للذين يملكون أرصدة من حب الذات وحب الظهور والاستعراض بالمال.. أكثر من أرصدتهم المالية، فقد علمونا كيف نمقتهم..

ويبقى رصيدي من الحب هو الأكبر، وهو الرصيد الذي لا ينفد.

 


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير