الأمة العربية بين الخطابين الإيراني والإسرائيلي.

{title}
أخبار الأردن -

   الدكتور علي حياصات

في زمن المعلومات المتدفقة، يصبح الوعي واستخدام العقل من الضروريات الأساسية, فتأثير وسائل الإعلام المختلفة يجعل من السهل الانغماس في الأخبار والشائعات دون تمحيص. لذا، يجب أن نتحلى بالقدرة على التفكير النقدي، فالفهم العميق لما يُقال حولنا يعزز من قدرتنا على اتخاذ مواقف أكثر وعيًا, والوعي يدفعنا إلى التساؤل والتحليل، مما يساعدنا على التمييز بين الحقيقة والخيال، وبالتالي يساهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على مواجهة التحديات.
يبدأ تطوير التفكير النقدي من خلال طرح الأسئلة. على سبيل المثال، لماذا وجه السيد علي أكبر ولايتي، المرشد الأعلى في إيران، نصف خطبة يوم الجمعة الماضية باللغة العربية؟ ولماذا أكثَرَ من استخدام الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على وحدة الأمة الإسلامية؟ ومن كان الجمهور المستهدف في هذا الخطاب؟ باختصار، استهدف السيد ولايتي شعوب الأمة العربية، مدركًا أن لديه القدرة على توجيه سلوكهم وتشكيل قناعاتهم، مما يؤدي إلى تشكيل رأي عام مؤيد لمشروعه السياسي.
في المقابل، الجمهور المستهدف لدى الساسة الإسرائيليين في خطاباتهم الموجهة عبر وسائل الإعلام, هم الساسة العرب وأصحاب القرار السياسي على المستوى الدولي. لا ننسى أن نتنياهو، في خطابه الاخير أمام الأمم المتحدة ، قسّم منطقة الشرق الأوسط إلى "محور شر" و"محور خير", فمحور الشر، حسب تعبيره، يسعى لاستغلال عواطف الجماهير العربية من أجل التمرد على مواقف أنظمتها السياسية واتخاذ مواقف أكثر عداءً لإسرائيل، في مقابل محور الخير الذي تدعي إسرائيل أنها تسعى إلى صنعه في المنطقة، من خلال خريطتها الشهيرة التي تَعِد بمستقبل مزدهر للمنطقة والعالم في حال نجاح استراتيجيتها.
التأكد من صحة المعلومات هو الخطوة الأولى في فهم ما يحدث من حولنا. على سبيل المثال، هل تدعم الأدلة العملية ما يُروَّج له في كلا الخطابين؟ الإجابة بالتأكيد لا. ثانيًا، عند قراءة أو سماع كلا الخطابين، علينا تحليل الأدلة المقدمة: هل توجد تناقضات تحتاج إلى توضيح؟ الجواب بالتأكيد نعم، وفي كلا الخطابين.
من الناحية الواقعية، تمثل الخطاب الإيراني من خلال سيطرة شبه كاملة على العديد من العواصم العربية، خدمةً لمصالح إيران القومية. أما الخطاب الإسرائيلي، فقد تُرجم عبر قضم المزيد من الأراضي المتبقية من فلسطين التاريخية والقضاء التام على إمكانية إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، إضافةً إلى اقناع معظم الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مما أفسح المجال لها لتوسيع نفوذها وإنشاء دولتها القومية الدينية على كامل الأراضي الفلسطينية.
إذن، نحن أمام خطابين يختلفان في الشكل ولكنهما يتشابهان في الهدف, فإيران تسعى لاستعادة إمبراطوريتها الفارسية على حساب الارض العربية، وإسرائيل تسعى لإقامة دولتها القومية اليهودية. ايضا على حساب الارض العربية.
العرب هم الطرف الذي يستقبل كلا الخطابين دون أن يكون لهم تأثير فعّال على ارض الواقع . لذا فإن بناء مجتمع يقدّر الوعي والتفكير النقدي يُعزّز من قدرتنا على مواجهة التحديات. فمن خلال تنمية هذه المهارات، نصبح أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، مما يسهم في اتخاذ مواقف واعية على المستوى الرسمي، ويفسح المجال لفهم أعمق لما يجري حولنا على المستوى الشعبي.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير