ما الذي يدفع الأردنيين إلى خيارات رديئة؟

 

حسين الرواشدة

يختار الناس – في الأصل - أفضل من لديهم ليمثلهم ويتحدث باسمهم، لكن ما الذي يدفعهم أحيانا إلى خيارات «رديئة» أو بدائل مغشوشة، ولماذا يقعون في «فخ» "الشطار" تارة ومصيدة «القنّاصين» تارة أخرى؟.

أسهل إجابة –هنا- هي «إدانة» المجتمع، او اتهامه بالجهل والاسترقاق لأصحاب المال والنفوذ، أو إلحاقه – كما يحلو للبعض أن يفعل - بقطار التخلف الذي انطلق بسرعة مذهلة منذ أن «استقالت» امتنا من التاريخ، لكن هذا التشخيص لا يقدم إجابات موضوعية وصحيحة على أسئلة مجتمعنا التي ما تزال معلقة منذ عقود طويلة، فهل نملك إذن إجابات أخرى تجعلنا أكثر فهما لما يحدث؟

لدي ثلاث ملاحظات يمكن إدراجها على صعيد النقاش الذي يدور الآن حول نتائج الانتخابات البرلمانية وموقف المجتمع «دعك الآن من الدولة وإجراءاتها» منها، أولاها أن مجتمعنا يتصف «بالفتوة» ويحظى بمستوى عال من التعليم، وثانيها أننا نتحدث عن «جزء» من المجتمع لا عن المجتمع كله، فالذين سيذهبون إلى الصناديق لا يمثلون إلا نسبة بسيطة منه، وثالثها أن الحضورين : الديني والعشائري ما زالا يسيطران على أغلبية هذا المجتمع؛ وهذان الحضوران لا يتعلقان فقط بالنصوص والقيم، وإنما بالممارسات والسلوكيات، ولهذا فنحن نتحدث عن حضور «التدين» وحضور «التقرب» والقرابة.

إذا اتفقنا على ذلك فان ما يدفع البعض في مجتمعنا إلى خيارات تبدو رديئة وغير صحيحة يتعلق بثلاثة أسباب على الأقل، الأول : النزوع نحو «الانتقام» من الواقع، تماما كما يحدث للأفراد حين يشعرون «بالإحباط» فيلجؤون إلى أسوأ الخيارات «الانتحار مثلا» والمجتمع –هنا- يعبر عن رفضه للواقع بإساءة الاختيار، سواء بشكل مقصود او غير مقصود.

السبب الثاني : ممارسة نوع من «الدونية» الأخلاقية التي تتناسب مع ظروف الواقع ومقتضياته وشروط الحركة فيه، وهنا يجنح بعض الأفراد في المجتمع إلى التماهي مع واقعهم، بما فيه من انحرافات لضمان العيش فيه، او لتحقيق منافع محددة منه، او بسبب إحساسهم بلا جدوى تغييره او عجزهم عن فعل ذلك، وبالتالي فان «تقمصهم» للحالة وانسجامهم معها – حتى لو كانوا يدركون سوءها - يجنبهم مشقة البحث عن البديل أو دفع ضريبة السباحة عكس التيار.

السبب الثالث : المجتمع، أو جزء منه ، يتصرف أحيانا بدافع «اللاوعي» وربما الإحساس بالخطر لاختيار «الأسوأ» بحثا عن «التغيير»، وقد يبدو فهم هذه «الحالة» صعبا، لكن ثمة تجارب كثيرة في تاريخ الأمم تؤكد أن الناس تمنح أحيانا ما لديها من فرص لأشخاص تعتقد أنهم ضد قناعاتها لكي تصنع مع مرور الوقت حالة من الرفض ضدهم، وعندها يحدث التغيير الذي «ترسبت» دوافعه داخل لاوعيهم وتصوروا أنهم غير قادرين على انجازه.

حين ندقق في هذه الأسباب الثلاثة، نكتشف أن مجتمعنا – بشكل عام - ما زال يتمتع بدرجة من «العافية»، وان الإصابات التي طرأت عليه، سواء في دائرة القيم والسلوك أو الخيارات، هي مؤقتة أولا، وتتعلق –ثانيا- بمناخات سياسية واقتصادية أخرجته عن طبيعته، كما نكتشف أيضا بان خياراته، حتى لو كانت رديئة، فإنها تجسد ردودا مقبولة ومفهومة، وربما «ذكية» على أسئلة الواقع ومشكلاته.