تكلفة نتنياهو على أميركا والغرب

د. محمد المومني 

للولايات المتحدة تاريخ طويل من العلاقات مع إسرائيل، يتسم في جله بدعم مطلق على كافة الصعد، وربما كان أوضح وأقوى أشكال الدعم ما حدث في حرب اكتوبر عام 1973 عندما هاتفت جولدامائير الرئيس نكسون لنجدة إسرائيل، فأنشأ أطول خط دعم عسكري بالتاريخ فكانت الأسلحة والدبابات تأتي من أميركا لميدان المعركة مباشرة. لهذا الدعم أسبابه التاريخية والسياسية المرتبطة بالدعم الحزبي لإسرائيل في واشنطن والحرب العالمية الثانية، وعقدة التقصير في العالم الغربي الذي أتى متأخرا لمواجهة النازية بعد ارتكاب مجازر في أوروبا. الدعم كان دائما كبيرا لكنه يأتي ضمن حسابات المصلحة الإستراتيجية لأميركا والعالم الغربي، اللذين احتفظا بنفوذ كبير وتأثير في السياسة والقرار الإسرائيلي. سلوك نتنياهو الإقليمي يعتبر ذلك مبتزا لأميركا والعالم الغربي، يعلم انهم لن يتركوا إسرائيل تواجه المخاطر وحدها، فيدخل مغامرات عسكرية وأمنية ويجعلهم في وضع حرج وعدم القدرة على ترك نتنياهو يواجه تكلفة أفعاله ومغامراته العسكرية والأمنية.

 

أول تكلفة يرتبها نتنياهو على العالم إمعانه ويمينه المتشدد بالقضاء على حل الدولتين، فهذا رتب تكلفة سياسية ودبلوماسية عالية جعلت مهمة الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين والغربيين في المنطقة صعبة معقدة، لأنها أحرجتهم مع حلفائهم العرب وظهرت عاجزة عن دفع نتنياهو باتجاه الحل الأكثر منطقية وقبولا وتماهيا مع الشرعية الدولية. هذا إستراتيجيا، اما آنيا، فقد أتت الحرب في غزة التي وصفت بالانتقامية ذات تكلفة إنسانية عالية رهيبة وهذا أحرج العالم الغربي وأميركا اللذان يتشدقان بحقوق الإنسان وحقه في الحياة، فكان الحرج ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب وتجويع وتهديد المدنيين، في مخالفة لمنظومة القانون الدولي الذي يفترض أن يحترمه ويخضع له العالم أجمع ويعاقب من يتجاوز عليه. العالم دعم ويدعم إسرائيل في الحرب وهذا رتب تكلفة وحرجا سياسيا وقانونيا وأخلاقيا بسبب الجرائم التي ترتكب. ثم جاءت مغامرة إسرائيل بقصف قنصلية إيران في دمشق فاضطر العالم مرة أخرى ليأتي لنجدة إسرائيل عسكريا، ثم آخر المغامرات باغتيال إسماعيل هنية في طهران ما اعتبر أيضا خروجا عن قواعد الاشتباك، والتوقعات برد إيراني محسوب لكنه سيرتب تكلفة على العالم الغربي وأميركا اللذين سيجدان نفسيهما مرة أخرى مضطرين للقدوم للدفاع عن إسرائيل، وهذه تكلفة أخرى سيدفعها العالم بسبب سياسات نتنياهو ومغامراته العسكرية الإقليمية.

لا يمكن بحال من الأحوال أن يستمر الوضع على ما هو عليه، ولا يمكن ان يستمر نتنياهو بالتصرف وكأن الدعم العالمي في جيبه، فلا منطق ولا تاريخ يقول إن هذا ممكن، ولا بد أن يأتي زمن يقول فيه العالم لنتنياهو ومن على شاكلته من اليمين إننا لن ندفع فواتير جنونكم السياسي والعسكري وإمعانكم بالابتعاد عن الحل السياسي. ما يحدث الآن أن نتنياهو يستنزف رصيد إسرائيل الدولي حولها من دولة يعتقد الغرب انها تستحق الدعم المطلق لدولة جدلية يتنامى يوميا أعداد الرافضين لسلوكها.