شهران عن موعد الانتخابات: ماذا نتوقع؟
على أجندة إدارات الدولة ،خلال الشهرين القادمين ،هدف مهم ، وهو إفراز تجربة انتخابات برلمانية ناجحة ؛ النجاح لا يتعلق ،فقط ، بإقناع أكبر نسبة من الأردنيين للذهاب إلى الصناديق ، واختيار قوائم مرشحيهم، أو بتوفير ما يلزم من نزاهة وحيادية وضمانات للتنافس الحر ، وإنما يتعلق ،أيضا ، بتهيئة المناخات العامة ، وتأجيل كل ما قد يُفضي إلى توتير الأجواء ، أو تعكير المزاج العام، سواء أكان على صعيد القرارات الرسمية ، أو مغامرات بعض النخب السياسية.
صحيح ، حركة الدولة ، بتقدير ي، ستكون منضبطة على بوصلة انتخابات أيلول ، باعتبارها مرحلة تأسيسية لتقييم مشروع التحديث السياسي ، واختبار عناصر القوة والضعف فيه، صحيح ، أيضا ، حركة المجتمع يصعب ضبطها أو التنبؤ بها إلا في حدود التقديرات ، لذلك لابد من زيادة زخم التواصل ، وتوجيه النقاش العام ، لاستدراك أي خطأ وتصحيح أي إشارات غير مرغوب فيها ، أقصد هنا أن إعلان حالة النفير الانتخابي يجب أن تتزامن مع إشهار خريطة وطنية تتضمن جدول أعمال المرحلة القادمة واستحقاقاتها.
وفق هذه الخريطة ، نحتاج إلى إعادة ترسيم معادلة مناسبة لحدود العلاقة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين الفاعلين بالمجتمع من أحزاب وعشائر و تيارات سياسية تحت عنوان المصالح العليا للدولة الأردنية ، كما يتوافق عليها أغلبية الأردنيين ، نحتاج ،أيضا ، إلى إبراز مفهوم (الجماعة الوطنية) بشكل عملي ، بعيدا عن الانتهازية السياسية ، ظروف الدولة الأردنية في هذه المرحلة التي ندرك حساسيتها وخطورتها لا تسمح لأي طرف أن يمارس منطق المغالبة، أو أن يُوظّف الصناديق في سياقات عابرة للحدود ، الانتخابات قضية اردنية ويجب أن تبقى كذلك ، كما أن البرلمان مؤسسة اردنية ، ولا يجوز أن تتحول إلى ساحة لتصفية أو ترتيب حسابات خارج المصلحة الأردنية.
خلال الشهرين القادمين، أمام الدولة -كما يبدو- خياران ، أحدهما "تسكين " الأوضاع العامة بعد حل البرلمان ، أقصد تهدئة الجبهة الداخلية مع استمرار الحكومة الحالية ، وعدم إجراء أي تغيرات على صعيد المواقع العامة ، وذلك في سياق اعتبار الانتخابات محطة بين مرحلتين : ما قبل التحديث السياسي وما بعده ، ثم تقييم التجربة لاحقا والبناء عليها ، الخيار الآخر : اعتبار موعد حل البرلمان نقطة انطلاق للتغيير الشامل، بما يقتضي تشكيل حكومة جديدة ، وإجراء تغيرات في المواقع، لضمان توفير مناخات عامة ، واستعدادات تتناسب مع المرحلة القادمة ، لا أعرف أي الخيارين سيكون مرجحا، لكن ، من وجهة نظري ، الخيار الأول هو الأنسب والأرجح لأسباب متعددة ، داخلية وخارجية على حد سواء.
وفق حسابات إدارات الدولة ، نتائج هذه الانتخابات مهمة ، لكنها يجب أن تفهم في إطار "البروفة" أو التجربة الأولى في سياق ثلاث مراحل ، وبالتالي يجب أن لا نبالغ بتحميلها كل ما لدينا من طموحات وآمال، لا يوجد أي هواجس أو مخاوف من السباق الانتخابي لكافة الاطياف السياسية، المهم هو نوعية ما تفرزه الصناديق ، "بعبع " الإخوان المسلمين غير وارد ، ومشاركتهم كما هو نصيبهم من الأصوات، وفق تقديرات رسمية، لن يكون مختلفا عن الانتخابات السابقة ، جاهزية الأحزاب ليست كما يجب ، والأخطاء في الواقع الحزبي الجديد مفهومة نظرا لأسباب اجتماعية واقتصادية وموروث غير مشجع، لكن استدراكها ممكن ، وتجاوزها ضروري مستقبلا.
كل المؤشرات تؤكد أن هذه الانتخابات ستكون مختلفة عن سابقاتها ، ونتائجها ستؤسس لمرحلة جديدة ، من يقرر هويتها هم الأردنيون الذين سيشاركون فيها، وأي عزوف منهم سيترك الفراغ لآخرين جربوهم، وعندئذ ، الجميع سيتحمل مسؤولية ذلك ، ونتائجه أيضا.