تحذير.. للمرة الثالثة

سلامة الدرعاوي 


للمرة الثالثة أُطلقُ تحذيراً للحكومة بالكتابة عن موضوع في غاية الأهمية يتسلل إلى جسم الدولة الاقتصادي عامة وإلى الخزينة خاصة، وهو التراجع المتدرج في إيرادات الدولة منذ بداية الربع الأخير من العام الماضي.

ففي الربع الأول، تراجعت الإيرادات العامة بما يقارب 200 مليون دينار، وحسب بعض المصادر المطلعة، فإن إيرادات الخزينة تراجعت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بما يزيد على 400 مليون دينار.
هذه الأرقام في غاية الأهمية ومؤشر خطير إذا ما استمر النزيف بهذا الشكل، لأنه من المؤكد أن يكون له انعكاس سلبي على عجز الموازنة المقدر للسنة الحالية والذي يناهز أصلاً 2.8 مليار دينار، وهو العجز الكلي المجمع للحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة.
أسباب التراجع متعددة، أهمها تداعيات حرب الإبادة على غزة وما تركته من آثار عميقة على نشاطات اقتصادية مهمة، إضافة إلى السلوك الاستهلاكي الداخلي الذي بدأ يتراجع بشكل كبير.
ولا ننسى إيرادات الخزينة من ضريبة المبيعات على المستوردات التي تراجعت بنسبة 2.8 % حتى شهر آذار الماضي بشكل رسمي، وقد يكون هذا الانخفاض هو الأكبر بين الانخفاضات الحاصلة في هيكل التراجع الكلي.
والأهم أن هذا التراجع قد يستمر على الأرجح لأنه سيكون في بداية العام المقبل تخفيض جمركي جديد؛ وبالتالي من المنطق أن تخف عمليات الاستيراد لتجنب دفع رسوم جمركية في الوقت الراهن، لذلك من المؤكد أن تتراجع ضريبة المبيعات على الاستيراد بشكل ملحوظ في النصف الثاني من هذا العام.
كما أن هناك تراجعات مهمة في إيرادات الأراضي والرسوم غير الضريبية نتيجة الهبوط العام في عدد من القطاعات الرئيسة، وتحديداً السفر والسياحة.
الحكومة أمام هذا المأزق المالي لم تقم لغاية الآن بأي وسيلة لضبط الإنفاق العام والتحوط من أي سيناريوهات سلبية محتملة، والأمر يتطلب تدخلاً سريعاً لوقف النزيف الحاد في هيكل الإيرادات العامة، لأنه في الأفق لا مؤشر بتقديم مساعدات طارئة للمملكة من الدول الصديقة لمواجهة تداعيات حرب الإبادة سوى ما ستقدمه الولايات المتحدة الأميركية من مبلغ 200 مليون دولار إضافية نهاية العام على المبلغ المرصود في مذكرة التفاهم بين البلدين.
أي تأخر في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف النزيف يعني مزيداً من العجز المالي الذي بالتالي سيمول حينها بمزيد من الاقتراض، والذي سيكون متاحاً للمملكة في هذه الفترة وبأسعار فائدة متنوعة نتيجة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الأخير الذي وفر مساحات مالية جديدة للحكومة من أجل تمويل نفقاتها المتزايدة.
لكن هذا الحل لن ينفع أبداً، ولن يكون مجدياً اقتصادياً، لأن الحل الوحيد هو ضبط الإنفاق وزيادة الإيرادات والاستثمار، وسيكون للحديث بقية في هذا الشأن.