أبو رمان يكتب: ما هو المطلوب أردنياً في سورية؟
كتب: د. محمد أبو رمان
تتوالى الوفود الغربية والعربية والوساطات العلنية والسريّة في تدشين علاقات سياسية مع الإدارة الجديدة في سورية، التي تستند إلى الآن للقوة العسكرية لهيئة تحرير الشام وحلفائها، من قاموا بالعملية العسكرية التي قضت على النظام السابق.
كان هنالك وفد أميركي رفيع المستوى، وأنهى زيارته لدمشق بتصريحات ودية تجاه أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام، وتم الإعلان أميركياً وأوروبياً عن خطوات، يبدو أنّها قريبة، لرفع اسم الهيئة من قائمة الإرهاب العالمية، وقد بادرت العديد من الدول إلى إعادة ممثليها وبعثاتها إلى سورية، وذلك كلّه يعني أنّ هنالك سرعة قياسية من قبل العالم بالاعتراف بالنظام السوري الجديد وتطبيع العلاقات معه، ومع قيادة هيئة تحرير الشام الحالية.
أردنيّاً، كان هنالك مبادرة أردنية سريعة نسبياً بالتفاعل مع الواقع الجديد، وبالرغم من أنّ الأردن حاول بناء موقف عربي متقارب تجاه التطورات الجديدة، وتجنب خطوات واسعة في محاولة لعدم ترك فجوة واضحة في المواقف العربية، وعمل دور الصمغ لترصيص الموقف العربي، في إعلان العقبة، وربطه بالأجندة العالمية، إلاّ أنّ المسؤولين الأردنيين، في الأثناء، كانوا يتقدمون خطوات جيدة من خلال إرسال مساعدات إنسانية إلى سورية والتعامل بروح إيجابية مع التطورات الجديدة.
لا نملك معلومات تفصيلية حول الموقف الأردني والديبلوماسية الأردنية والجهود المبذولة في الأروقة المختلفة، وربما هنالك الكثير مما يدور في الظل أردنياً لا نعرفه، لكن من المهم هنا أن نشير إلى مجموعة من القضايا الرئيسية التي قد تكون مطبقة أردنياً، أو تفيد في رسم مسار المرحلة القادمة، وأولى هذه الرسائل ضرورة المسارعة الأردنية، والتخلّي تماماً عن أي قدر من التحفظ في تطوير علاقات قوية مع الحالة السورية الجديدة، لأنّ الفراغ سيملؤه غير الأردنيين، ولأنّ لدينا رصيداً وافراً وكبيراً، تاريخياً في الحالة السورية، من الضروري أن نستثمره ضمن المصالح السورية والأردنية على السواء.
يختلف الأردن عن جميع دول جوار سورية، وعن العديد من الأجندات الإقليمية والدولية بأنّه لم يكن منه سوء تصرف أو مطامع أو مصالح متضاربة مع هذا الطرف أو ذاك منذ انطلاق الثورة السورية 2011، وحتى قبل ذلك طالما كان الأردن حريصاً على إقامة علاقات جيدة مع سورية، وكان – من الزاوية الإنسانية- الحاضن الأمين للمعارضة والهاربين السوريين من بطش النظام هناك، ولم يطلب أو يسأل مقابلاً لذلك، وهذه الميزة تجعل الثقة في الأردن من قبل نسبة كبيرة من الشعب السوري عالية ويمكن استثمارها في المبادرة إلى عرض المشاركة والمساهمة في تشكيل الحالة السورية الجديدة، والمساعدة في مجالات الإعمار والتنمية والأمن والإدارة، فسورية كدولة اليوم تحتاج إلى الأردن بنفس القدر الذي احتاجها فيه قبل ذلك مئات الآلاف من السوريين الهاربين إلى الآمان من جرائم النظام السابق، وقد لخص أهمية الدور الأردني، المعارض السياسي السوري، زيدون الزعبي، الذي طالب بوضوح بمبعوث عربي أردني للمرحلة القادمة في سورية.
قد تكون هنالك خلفية تاريخية غير مشجّعة لعلاقة الأردن بهيئة تحرير الشام مرتبطة بأنّها كانت في الأصل تضم أعداداً كبيرة من الأردنيين، الذين انتقلوا إلى سورية لقتال النظام السابق، لكن من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ الهيئة نفسها تغيرت تنظيمياً وأيديولوجيا وسياسياً، فضلاً عن عدم بقاء أردنيين في الهيئة، كما أنّها لم تستهدف الأردن خلال المراحل السابقة، كما هي الحال بالنسبة لتنظيم داعش.
في الخلاصة من الضروري أن نقفز عن تلك الحساسيات وأن يبادر الأردن إلى التدخل بدرجة أكبر (إن لم يكن قد تدخل فعلاً)، ومن المهم أن يكون هنالك برنامج عمل واضح أردني مبني على اتصالات بالإدارة الجديدة وتقديم خدمات مساعدة واحتضان المرحلة الجديدة في سورية، فذلك يقع في صلب الأمن والمصالح الاستراتيجية الأردنية.