الدين السوري لإيران جائر و"غير شرعي"... ما مصيره؟

 

جوزيف ضاهر

تثار أسئلة كثيرة عن العلاقات المستقبلية بين دمشق وطهران في أعقاب إطاحة نظام الأسد. فقد كانت إيران حليفة رئيسة للنظام السوري منذ عقود من الزمن وقامت بدور رئيس في مساعدته على قمع الانتفاضة. وقدمت طهران إمدادات وقدرات عسكرية أساسية، ومساعدات مالية أيضا. وفي هذا السياق، تعود مسألة الدين السوري لإيران إلى الظهور وتطرح السؤال الآتي: هل يتعين على السوريين سداد هذا الدين؟

لكي نفهم أولا كيف تكبد النظام السوري السابق هذا الدين، دعونا نعود إلى مستوى العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية قبل سقوط النظام.

العلاقات الاقتصادية الإيرانية السورية
كانت التجارة بين إيران وسوريا ضعيفة نسبيا قبل الانتفاضة، وقدرت بنحو 300 مليون دولار فقط في سنة 2010. ووصل المبلغ الإجمالي الرسمي للمساعدة الاقتصادية التي قدمتها إيران على شكل أربعة قروض بين سنتي 2013 و2017 الى نحو 7,6 مليارات دولار. وقد أتاح هذا الترتيب الائتماني لدمشق دعم الاحتياطيات الرسمية السورية وتمويل السلع والبضائع المستوردة، ومنها إمدادات النفط والمدخلات الزراعية والصناعية. غير أن المساعدة الإيرانية أكثر أهمية بكثير من الاتفاقات المذكورة أعلاه. فتلك الترتيبات الائتمانية لم تشمل تكاليف الأعتدة العسكرية والذخيرة، أو الرواتب المدفوعة للمقاتلين الذين يدافعون عن النظام، أو أموال الطوارئ والتحويلات التي حاولت في الماضي منع هبوط قيمة الليرة السورية.

كما أنها لم تشمل استيراد النفط من إيران، الذي تراوح في المتوسط بين 50,000 و70,000 برميل من النفط الخام منذ نشوب الثورة، خصوصا أن دمشق أخذت تفقد السيطرة على حقول النفط في الشمال الشرقي. على سبيل المثل، بلغت قيمة شحنات النفط الإيرانية إلى نظام الأسد في الفترة الممتدة بين سنتي 2013 و2018 وحدها 10,3 مليارات دولار.

وقد عززت الاتفاقات المذكورة أعلاه العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين النظامين. وقدر حجم التجارة بين البلدين بنحو مليار دولار في سنة 2014.

في أبريل/نيسان 2016، أصبح اتفاق التجارة التفضيلية بين البلدين نافذا، وخفضت الرسوم الجمركية على كل السلع المتبادلة بين البلدين إلى 4 في المئة. ومنحت الأفضلية لطهران بوضوح، إذ مثلت الصادرات الإيرانية نحو 95 في المئة من حجم التجارة البالغ مليار دولار بين البلدين.

وضع الأراضي والعقارات
كان من الصعب للغاية تقييم الشائعات والمعلومات الأخرى عن الأفراد والمؤسسات الإيرانية الذين اشتروا أو سيطروا مساحات واسعة من الأراضي والعقارات في كل المحافظات السورية. والاستثناء الوحيد لذلك هو ضاحية السيدة زينب في دمشق التي تضم مزارا شيعيا وشهدت استثمارات واستحواذات إيرانية

وتأسست الغرفة التجارية السورية الإيرانية المشتركة، التي ترعى اتفاقات التجارة بين إيران والحكومة السورية، في يناير/كانون الثاني 2019. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، افتتحت هذه الغرفة أول مركز تجاري إيراني في العاصمة دمشق. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أبرمت حكومة النظام السوري اتفاقا مع إيران لمقايضة البضائع بين البلدين. وفي مايو/أيار 2023، في أثناء زيارة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي لدمشق، وقع البلدان اتفاقات ومذكرات تفاهم تتعلق بقطاعات عديدة، تشمل النفط والزراعة والسكك الحديد والمناطق التجارية الحرة. مع ذلك، لم تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين توسعا كبيرا.

لم ينفذ كثير من مذكرات التفاهم بين طهران ودمشق، في حين لم تمنح الحكومات السورية السابقة الشركات الإيرانية الحكومية والخاصة عقودا كبيرة، على الرغم من المساعدة الضخمة التي قدمتها لها. على سبيل المثل، كان من المتوقع أن تمنح طهران في العقد الماضي ترخيصا للهاتف الخليوي، وامتياز إدارة محطة الحاويات في ميناء اللاذقية، وبعض الأسهم في مناجم الفوسفات، لكن طهران لم تتمكن من الحصول على أي منها.

تأثير النفوذ العسكري على الإقتصاد
ولم تتمكن طهران في أي وقت من ترجمة نفوذها الجيوسياسي والعسكري المتنامي باستمرار في اقتصاد سوريا، خصوصا أن الاستثمارات الروسية الخاصة كانت لها اليد العليا في هذا المجال. وقد ارتبطت معظم العقود التي حصلت عليها طهران بخط الائتمان الإيراني الممنوح لسوريا، مثل العقد الذي منح لمجموعة "مابنا" لبناء محطة لتوليد الكهرباء بقيمة 460 مليون دولار في مدينة اللاذقية الساحلية، أو إعادة تأهيل قسم من محطة توليد الكهرباء في حلب، بموجب عقد بقيمة 124 مليون يورو تقريبا.

مع أن البرلمان الإيراني صادق على تعديلات اتفاقية التجارة الحرة بين دمشق وطهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فقد تراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين. كما واجهت بعض الاستثمارات الإيرانية في البلاد انتكاسات عدة، مثل إغلاق مصنع تجميع السيارات الإيراني، "سيفكو". وفي الوقت نفسه، رفع النظام السابق حظرا على الاستيراد استفاد منه في البداية مصنع زجاج إيراني في العاصمة دمشق.

في هذا السياق، يسأل خبراء كم يبلغ حجم الدين السوري لإيران؟ من الصعب جدا تقدير الدين المستحق لإيران في غياب المعلومات الرسمية عن هذه المسألة. فقد زودت الترتيبات الائتمانية الإيرانية سوريا كميات كبيرة من الوقود وأنواعا أخرى من السلع منذ سنة 2013. ولم تسدد السلطات السورية ثمن النفط المستورد من إيران الذي كان مصدرا للتدفقات النقدية الناتجة من بيعه في السوق المحلية.

كم يبلغ الدين السوري لإيران؟
لم تعلن قيمة الدين المترتب على الحكومة السورية لصالح  إيران، وتتراوح التقديرات بين 16 مليار دولار و50 مليار دولار وفقا لمصادر مختلفة. والنظام السابق مدين لروسيا أيضا، لكن حجم الدين الروسي أصغر بكثير. ففي سنة 2014، قدمت موسكو الى دمشق مساعدة مالية تبلغ مئات الملايين من اليورو لدفع رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك العسكريون. كما منحت الدولة الروسية سوريا قرضا بقيمة 700 مليون دولار في سنة 2021.

لذا نما الدين العام (المحلي والخارجي) المتراكم على الحكومة السورية في أعقاب سنة 2011. وقدر صندوق النقد الدولي الدين العام بأكثر من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية سنة 2015، بما في ذلك دين خارجي يبلغ 60 في المئة من الناتج المحلي (ناجم عن الترتيبات الائتمانية الإيرانية بين سنتي 2011 و2015)، بعدما كان 9 في المئة في نهاية سنة 2009. واستمر الارتفاع الكبير للدين العام في السنوات التالية، وكذلك صندوق الدين العام في الموازنة السورية.

ومن المؤشرات على تنامي الدين العام، الزيادة المستمرة في صندوق الدين العام في الموازنات السورية. فبين عامي 2018 و2024، نمت الأموال المخصصة لصندوق الدين العام في الموازنات السورية بشكل كبير، بحيث تراوحت بين 22 و33 في المئة من الموازنة. تم تمويل العجز بشكل عام من خلال ثلاث أدوات رئيسة: النقد من الاحتياطيات، الذي يمثل في الغالب السيولة النقدية التي طبعها البنك المركزي السوري، والقروض المحلية من خلال سندات الخزانة والقروض الأجنبية. ولم تقدم الموازنة السورية أي تفاصيل حول تركيبة هذا البند.

كان صندوق الدين العام أهم مخصصات موازنة سنة 2024، إذ شكل نحو 33,4 في المئة من المخصصات الإجمالية. وقد استخدم صندوق الدين العام في تقديم قروض للجهات العامة لتمويل الاستثمارات في مجالات مثل البنية التحتية، ولكن منذ سنة 2018، أصبح تخصيص الأموال لصندوق الدين العام وسيلة أيضا لإخفاء إنفاق الدولة على الدفاع والرئاسة. في الواقع، حتى عام 2017، تم تحديد وزارة الدفاع والرئاسة بوضوح في بنود منفصلة في الموازنة.

تبعا لذلك، كان لارتفاع الدين العام عواقب على سياسات الحكومة السابقة المتعلقة باستمرار تدابير التقشف ورفع الدعم، وعدم الاستثمار في الخدمات العامة.

دين جائر  وغير شرعي
إن تغيير النظام في سوريا لا يلغي المسؤولية القانونية للدولة السورية عن دينها لإيران. على سبيل المثل، حوّل دين الدولة السورية للاتحاد السوفياتي السابق، المقدر بنحو 9,8 مليارات دولار، إلى الدولة الروسية الجديدة. كما أن الطبيعة السلطوية والاستبدادية للنظام السابق لا تعفيه من مسؤوليته عن الدين الإيراني.

مع ذلك، يجب أن تعلق أي مطالبات إيرانية محتملة لدمشق بتسديد الدين إلى أن تنشئ الحكومة السورية الديمقراطية المنتخبة في المستقبل لجنة لإجراء تدقيق كامل في دينها العام الإجمالي، وكيفية ترتبه على البلاد وظروفه، بما في ذلك دينها الخارجي لإيران.