إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

  خيرالله خيرالله

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”. يكشف هذا الكلام عمق حال الإرباك التي يعاني منها “الحزب” وإصراره على ممارسة التنكّر لما يدور على أرض الواقع وإنكاره.

انتقل “الحزب” من المكابرة إلى الإنكار، إنكار أنّه خسر حرب “إسناد غزّة” وأنّ كلّ معالم المنطقة تغيّرت منذ “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، أي منذ الهجوم الذي شنّته “حماس” على مستوطنات غلاف غزّة ومنذ القرار الإيراني الذي نفّذه الراحل حسن نصرالله في اليوم التالي لـ”طوفان الأقصى”.

قضى ذلك القرار بفتح جبهة جنوب لبنان، أي بشنّ حرب على إسرائيل. أكثر من ذلك، قاد فتح جبهة جنوب لبنان إلى الحدث السوري الذي يصرّ الجانب الإيراني على اعتباره، من خلال كلام نعيم قاسم، أنّه “مجرّد تفصيل”، علماً أنّه حدث تاريخي بكلّ ما في الكلمة من أبعاد.

إنّه حدث تاريخي يتجاوز حدود سوريا، خصوصاً أنّه يعيدها إلى دولة عربيّة تحكمها الأكثريّة السنّية وليس دولة تتحكّم بها الأقلّية العلوية بواسطة الأجهزة الأمنيّة والجيش السوري… والمافيات الاقتصاديّة التي نبتت في السنوات الـ54 الأخيرة. نبتت هذه المافيات وتطوّرت طبيعتها وامتداداتها، بما في ذلك الامتداد الإيراني، في ظلّ العلاقة التي ربطت بين حافظ الأسد وابن خالته محمّد مخلوف الذي سيطر مع عائلته، في مرحلة معيّنة، على الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي السوري. كان ذلك قبل دخول أسماء الأسد والمحيطين بها على الخطّ وإزاحة رامي مخلوف، النجل الأكبر لمحمّد مخلوف.

تفسير “الحزب” للقرار 1701

يكشف كلام نعيم قاسم أيضاً رغبة “الحزب” في متابعة حمل السلاح واستمرار رفض تنفيذ القرار 1701. بكلام أوضح، لدى “الحزب”، ومن خلفه إيران، تفسيره الخاص للقرار 1701، غير مدرك لحجم الحدث السوري وانعكاساته على المنطقة كلّها وعلى لبنان بشكل خاصّ. يشير قرار “الحزب”، من خلال كلام نعيم قاسم، إلى أنّ هناك إصراراً على خرق القرار 1701 عن طريق الاستمرار في “المقاومة”، مع ما يعنيه ذلك من محاولة للحصول على السلاح عبر طرق أخرى غير الأراضي السوريّة. فهل تستطيع إيران إيجاد طرق أخرى، غير سوريا، لإرسال السلاح إلى “الحزب” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني استطاعت إسرائيل الذهاب إلى أبعد من تقليم أظافره؟

يتجاهل الأمين العامّ لـ”الحزب” نصّ القرار 1701، الذي صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في آب 2006 وأوقف وقتذاك الحرب التي دارت بين إسرائيل و”الحزب”. يتجاهل أنّ القرار في أساس اتّفاق وقف النار الجديد.

أوقف الاتّفاق الجديد حرب “إسناد غزّة” من دون أن يوقفها. ما زالت إسرائيل تمارس نشاطاً عسكريّاً في لبنان ولا تزال تحتلّ أرضاً لبنانيّة بعد تدمير عشرات القرى. فوق ذلك كلّه، لا تزال تنفّذ اتّفاق وقف النار الذي تمّ التوصّل إليه بواسطة المبعوث الأميركي آموس هوكستين بموجب شروط خاصّة بها.

إيران لم تقتنع بخسارة لبنان

جاء كلام نعيم قاسم، الذي لا يمكن أن يصدر من دون ضوء أخضر إيراني، ليشير إلى أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” ما زالت تعتقد أنّ في استطاعتها استخدام لبنان كما لو أنّ شيئاً لم يحصل في سوريا. مثل هذا الكلام، الصادر عن الأمين العامّ لـ”الحزب”، يعني، بين ما يعنيه، أنّ إيران لم تتخلَّ بعد عن فكرة أنّها خسرت لبنان وأنّها لن تستطيع بعد اليوم استعادة امتلاك قرار الحرب والسلم في البلد الصغير وتهديد إسرائيل انطلاقاً منه.

توجد سوريا أخرى في ضوء فرار بشّار الأسد إلى موسكو. يوجد لبنان مختلف بعد الحدث السوري. من الواضح أنّ إيران، عبر كلام نعيم قاسم، ترفض استيعاب ذلك في حين فهمته روسيا التي بدأت تعدّ نفسها لاحتمال فقدانها القاعدة البحريّة في طرطوس والقاعدة الجويّة في حميميم.

متى تدرك إيران أنّها خسرت حرب غزّة وكلّ الحروب التي افتعلتها من أجل إقناع “الشيطان الأكبر” الأميركي بعقد صفقة معها بصفة كونها القوّة المهيمنة على المنطقة؟

تكمن أهمّية لبنان في أنّه سيُظهر عاجلاً أم آجلاً ما إذا كانت “الجمهوريّة الإسلاميّة” ستكون قادرة على التأقلم مع خسارتها لحروبها كلّها بعدما فقدت الورقة السوريّة من جهة، وهزيمة “الحزب” من جهة أخرى.

نشأت العلاقة الخاصّة بين النظام السوري الذي أسّسه حافظ الأسد و”الجمهوريّة الإسلاميّة” منذ اليوم الأوّل لقلب الشاه. ظهر ذلك بوضوح في مرحلة الحرب العراقيّة – الإيرانيّة التي استمرّت ثماني سنوات بين 1980 و1988.

كانت سوريا شريكاً لإيران في تلك الحرب التي استخدمها الأسد الأب لابتزاز دول الخليج مستفيداً إلى حدّ كبير من الغباء السياسي للراحل صدّام حسين، وهو غباء أخذه إلى احتلال الكويت في آب 1990.

بفضل الأسدين الأب والابن، كان لبنان “ساحة إيرانيّة”. من الأراضي السوريّة دخل الفوج الأوّل من “الحرس الثوري” إلى الأراضي اللبنانية، إلى ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك تحديداً. كان ذلك في صيف عام 1982. لا حاجة إلى الدخول في التفاصيل بغية الوصول إلى خلاصة وحيدة فحواها أنّ سوريا تغيّرت جذريّاً وتغيّر لبنان معها، وكذلك المنطقة.

فهل تستوعب “الجمهوريّة الإسلاميّة” هذا الواقع وتضع حدّاً لعيش “الحزب” في الأوهام، ويشمل ذلك العيش في وهم القدرة على جعل “الحزب” يتصرّف وكأنّه لم يحصل شيء في سوريا… وسيعود إلى استخدام سلاحه المذهبي في الداخل اللبناني تحت شعار “المقاومة”، تماماً كما حصل بعد حرب صيف 2006 وصدور القرار 1701؟!