عندما تذكرنا فاجعة "دار الضيافة" باستراتيجية وطنية أطلقت ولم تنفذ بعد!

 

جلال أبو صالح

مرة أخرى، تجدد فاجعة حريق دار ضيافة المسنين لجمعية الأسرة البيضاء الخاصة التابع لوزارة التنمية الاجتماعية في منطقة الجويدة جنوبي العاصمة الأردني عمّان، والتي نتج عنها وفاة 6 مسنات وإصابة 60 أخرين، المطالبات والتحذيرات بضرورة تنفيذ وتطبيق بنود الاستراتيجية الأردنية الوطنية لكبار السن التي أقرت مؤخراً للأعوام 2025-2030.

وتتضمن الاستراتيجية الأهداف والإجراءات المطلوب تحقيقها في ثمانية مجالات ذات أولوية لكبار السن، وهي: الحماية الاجتماعية والأمن المالي، والرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، والمشاركة والتضامن بين الأجيال، والوقاية من العنف والإساءة والإهمال، والبيئة التمكينية الداعمة، وقاعدة معرفة، إضافة إلى التنسيق والشراكات.

كما تهدف إلى تعزيز حقوق كبار السن وتحسين مستوى معيشتهم من خلال مجموعة من المبادرات والسياسات الشاملة، فضلاً عن إدماج قضايا كبار السن ضمن عمليات صنع السياسات الوطنية، مع التركيز على توفير الحماية الاجتماعية وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية.
فيما تشمل الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية تعزيز دور كبار السن في المجتمع، وتحقيق الشيخوخة النشطة، وضمان التغطية الشاملة بالخدمات، وتحسين البيئة القانونية التي تدعم حقوقهم. وتعتبر هذه الخطوة جزءاً من الجهود الوطنية لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة المواطنين، بما يتماشى مع التزامات الأردن الدولية، بما فيها أجندة 2030 للتنمية المستدامة.

وكان مجلس الوزراء أقر الاستراتيجية التي أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في نسختها الثالثة  في 8 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، متضمنة محاور جديدة وحيوية في توفير منظومة حماية تشريعية وتنفيذية حقوقية لكبار السن.

*واقع كبار السن في الأردن!

ويعيش معظم كبار السن بالأردن في مشكلات صحية واقتصادية في ظل غياب منظومة اجتماعية لحمايتهم على أكمل وجه. حيث يتقلب معظم المسنين في الأردن اليوم ما بين الأمراض المزمنة والعزلة الاجتماعية وفقدان الأمان والفقر، على رغم عديد من البرامج والخدمات التي تقدمها الحكومة الأردنية والتي كان آخرها خدمة توصيل الأدوية المزمنة إلى المنازل عبر البريد من دون الحاجة إلى تكبد عناء مراجعة المستشفيات والمراكز الصحية وبشكل دوري مرهق.

لكن على رغم ذلك لا تزال هناك عديد من التحديات التي تواجه هذه الفئة بسبب قلة الموارد المالية والكوادر المؤهلة والافتقار إلى التوعية بحقوقهم، وكذلك نقص الخبرات لدى العائلات والأبناء في التعامل مع كبار السن، وخصوصاً الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو جسدية.

*لماذا الراتب التقاعدي أولوية لكبار السن؟

وفي الوقت الحالي، حوالي نصف الأردنيين في سن التقاعد لا يتمكنون من الحصول على أي شكل من أشكال الدعم المالي في الشيخوخة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى عدم قدرتهم على الاشتراك في مؤسسة الضمان الاجتماعي  خلال حياتهم العملية. العديد منهم نساء قضين حياتهن العملية في رعاية الأطفال والأسر، ولكن لأن هذه المساهمات في المجتمع لم يتم الاعتراف بها، يبقين بدون معاش تقاعدي (إلا إذا تم توريثه من أزواجهن).

فيما يواجه كبار السن في المملكة عدة تحديات، ليس أولها تدنّي قيمة المعونة الشهرية المصروفة من قِبل صندوق المعونة الوطنية إلى ما دون خط الفقر المطلق (العام)، وأيضاً معاناة أغلب النساء المُسنات من فقدان الحماية الاجتماعية، وعدم وجود راتب تقاعدي بسبب عدم انخراطهن في سوق العمل سابقاً، مع التأكيد على محدودية فرص العمل أمام كبار السن، ما يحدّ من مصادر دخلهم.

عالمياً وعربياً، تقدم 46 دولة نامية أفقر بكثير من الأردن معاشات تقاعدية لجميع مواطنيها، مثل نيبال وليسوتو وتيمور الشرقية. في نيبال مثلاً، بدأ المعاش التقاعدي غير القائم على الاشتراكات في عام 1995 ويغطي حالياً جميع من تجاوزوا 68 عامًا، بتكلفة تبلغ 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي لنيبال.

بينما تختلف أعمار الاستحقاق للمعاشات التقاعدية بين الدول. ففي جورجيا على سبيل المثال، العمر هو 60 عامًا، بينما في دول أخرى مثل ليسوتو، هو 70 عامًا. ولكن، فقط دولة عربية واحدة تقدم معاشات تقاعدية لجميع مواطنيها وهي سلطنة عمان، التي بدأت في يناير من هذا العام، بتوفير معاشًا لكل مواطن تجاوز 60 عامًا، وذلك نظامها غير القائم على الاشتراكات.

في حين تمول هذه المعاشات من إيرادات الحكومة العامة بدلاً من المساهمات المدفوعة إلى مؤسسات مثل الضمان الاجتماعي. ومع ذلك، فهي تعترف فعليًا بمساهمات الجميع في المجتمع، سواء من خلال تربية الأطفال ورعاية كبار السن، أو بسبب دفعهم الضرائب.

بالنتيجة؛ سيغير توفير معاش تقاعدي لجميع الأردنيين عند بلوغهم الشيخوخة حياة أولئك الذين لا يتمتعون حاليًا بأي شكل من أشكال الأمن المالي المضمون، بحيث لن يكونوا بعد الآن معتمدين على الآخرين، حيث يتعين على أبنائهم الموازنة بين مسؤولياتهم تجاه والديهم واحتياجات الاستثمار في أطفالهم.

وبالتالي، لن يكون هؤلاء الكبار مجبرين على الاعتماد على أسرهم بعد الآن، بل قد يصبحون مساهمين نشطين في دعم أسرهم. فالعلاقة بين الأجداد وأحفادهم هي علاقة خاصة، وهناك أدلة قوية على مستوى العالم تشير إلى أنه بمجرد حصول الناس على معاش، فإنهم غالبًا ما يدعمون أحفادهم بتوفير أنظمة غذائية أفضل وملابس وتعليم ومصروف يومي.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون تقديم المعاشات التقاعدية خيارًا اقتصاديًا جيدًا لأردن حديث ومتطور، مما ينعكس على رعاية الأطفال بتنمية مهاراتهم من خلال الدعم الذي يتلقونه من أجدادهم، كما ستوسع أيضاً ضخ الأموال في الاقتصاد الأسواق في جميع أنحاء البلاد، مما يوفر فرصًا لرواد الأعمال.

ختاماً؛ إن توفير الراتب التقاعدي لكبار السن يجعل الخيارات أمامهم أيسر وأسهل ويضمن لهم حرية إيجاد السبيل الأفضل للعيش سواء داخل أسرهم أو حتى في مراكز الرعاية إن اختاروا ذلك.