بين الحدين..الأردني والسوري.

 

محمد حسن التل ..
 

من مفارقات قدر الجغرافيا والظروف أن أقل من تسعين كيلو متر هي المسافة الفاصلة بين الحدين الأردني والسوري وبين الشعبين الشقيقين في المملكة الآمنة والجمهورية الغاصبة لشعب عانى على امتداد ستون عاما
من كل القهر والقمع والرعب والخوف والتهجير والقتل..

على الحد المقابل شعب تحيا إنسانيته بكل عناوين الحرية على امتداد قرن من الزمن الجميل في ظل حكم رشيد مؤطر بالرحمة والتسامح ، وقد ذاق السوريون هذا الطعم من الحياة زمنا قصيرا زمن الفيصل الهاشمي ، لكن المؤامرات والمصالح المشبوهة للدول المسيطرة على العالم آنذاك أن يحرم السوريون من هذه النعمة ويدخلوا في أنفاق متاهات حكم أقل ما يوصف به أنه حكم مجرم متآمر على الشعب العظيم ، تاجرا كاذبا في القومية العربية ثم تحول إلى كذبة أخرى تحت عنوان ،،"المقاومة والممانعة "، وكشفت الأحداث أنه كان عميلا رخيصا لإسرائيل منقلبا على حلفائه غادرا لأمته في الظلام الأمر الذي جعل هؤلاء الحلفاء المزعومون يتخلون عنه بسرعة قياسية ويسقطونه من حساباتهم وبدؤا ببعث إشارات ود وتمن للتواصل مع سورية الجديدة المحررة .

ما يهمنا فيما حدث لسوريا على امتداد ستون عاما وما تكشفت عنه الأحداث والظروف التي كانت مسيطرة أنها رسالة لكل متذمر "غاضب" لا يشعر بنعمة أنه أردني يعيش على أرض الحياة والحرية مع العلم أن الأردنيين ليس من طبعهم الغضب لكنهم يعتبون أحيانا ويظلون على القناعة الكاملة بأن النعمة الكبرى التي نحيا بظلالها عنوانها الأمن في حياتنا والاطمئنان على حاضرنا و مستقبلنا ،
فالأردني يمشي من الدرة إلى الطرة لا يخشى إلا القدر على حياته ، نعمة أجريت على يد حكم رشيد يمتد من رحمة الهاشميين على امتداد القرون وتسامحهم حتى مع أعدائهم والتاريخ كتب وسيكتب عن هذه الرحمة و هذا التسامح وعن مراحل هذا الحكم المتعددة في هذه البلاد التي خصت بهم حيث صبغوا على حياة شعبهم طمأنينة وسلام .

حتى لو كانت أوضاعنا الاقتصادية صعبة وظروفها خارجة عن الإرادة وقسم كبير منها أتانا نتيجة الظلم الذي كان يمارسه النظام المقبور في دمشق عندما انتهك حياة أشقائنا هناك ودمر حياتهم واضطرهم إلى مغادرة بلادهم مرغمين بحثا عن الأمان فوجدوا الصدر الأردني مفتوحا لهم ، وتقاسم الأردنيون معهم الخبز والماء والسكن ، وحتى المدارس .

لقد عاني الأردن كثيرا منذ أيام الهالك حافظ الأسد من مؤامرات عديدة واستهداف لأمنه وكان الأردن يمد يده دائما من أجل مصلحة الأشقاء السوريين دون جدوى وظل النظام هنالك يمارس المؤمرات والاستعلاء حتى حرمنا من حقنا من مياه سد الوحدة حتى آخر يوم قبل أن يسقط..

نقولها بملء الفم لكل العالم أنه من سمع عن وطن محزم بالأمن واحترام حياة الناس بالرحمة والتسامح فليقل أن هذا هو الأردن ، فسطور التاريخ تسجل أن الحكم الهاشمي في هذا البلد من الملك المؤسس الشهيد عبدالله الأول وصولا إلى عبدالله الثاني تجاوز عن كل من أخطأ وأساء وحاول الإيذاء  فالحسين رحمه الله ضم إلى حنانه حتى من حاول استهداف حياته فعفا عنهم بل وزاد بإعطائهم فرصا كبيرة الأمر الذي جعلهم وكأنهم الجنود المحاربين عن الأردن ، عندما عرفوا قيمة هذا التسامح والعطاء اللا محدود .

وهذا الملك عبدالله الثاني لم يغضب يوما على أردني ولم يفكر بإيذاء أحد من شعبه حتى أولئك الذين تجاوزوا وطمعوا ابان ما سمي كذبا ربيع العرب وسخر كل حياته وأيامه عملا دؤوبا شاقا في البحث عن أفضل السبل لتحصين حياة الأردني الكريمة ..
هذا هو الفرق بين حدين متقابلين حد موت وحد حياة ، فلنعض بنواذجنا على  هذا الوطن ولنسقي أبناءنا مع حليب أمهاتهم كيف يحمون هذا الحمى وكيف يحافظون على هذه النعمة وكيف ألهم الهاشميون أن يكونوا ملوكا فينا وليسوا علينا .. فالفرق كبير بين المعنيين..