الوطن باق والأنظمة زائلة
حسن البراري
صدم بشار الأسد مؤيديه في المنطقة العربية بهروبه من سوريا، فهم كانوا ينتظرون "الأسد" البطل الذي لا يُقهر، ليجدوا "أسدًا" يهرب على قدميه، تاركا خلفه رماد الأوهام!
اليسار الذي أغلق عينيه عن استبداد النظام السوري كمن يغمض بصيرته عن جراح الشعوب، متذرعًا بذرائع واهية عن "مقاومة إسرائيل". كانوا ينادون بالحرية والعدالة في بلدانهم، بينما تعاضدوا مع الطغيان في سوريا، فهل كان الاستبداد أسمى من الإنسانية؟ إنها الأيديولوجيا العمياء يا سادة!!
للأسف، لم يتجاوز حب هؤلاء المعلن لسوريا حدود الولاء الأعمى لنظام كان يبدع في قتل السوريين وتصميم سجون تفوق تعقيداتها سجن الباستيل نفسه. يزعمون أنهم مع المقاومة، لكن الحقيقة أن جبهة النظام السوري البائد مع إسرائيل كانت في أهدأ حالاتها، فحتى عندما كانت إسرائيل تُمعن في ضرب سوريا، مستبيحة سيادتها، لم نسمع من هؤلاء سوى صمت يقترب من الخشوع. هل كانت هذه هي المقاومة التي تحدثوا عنها؟ هل كانت المواجهة التي تبجّجوا بها على مدار عقود؟ أم أن الأمر لم يكن أكثر من مسرحية لتغطية الاستبداد الداخلي والفساد المريع؟
تاريخ النظام في سوريا، حتى مع عدوه المفترض، يروي لنا حكاية مختلفة؛ إذ أن جبهة النظام مع إسرائيل كانت أكثر استقرارًا من أي جبهة أخرى، وأقل تصعيدًا من جبهة النظام ضد شعبه. هل يستطيع أي متفذلك من داعمي نظام التوحش أن يقول لنا كيف سلم الجيش السوري لمواقعه في الجولان للقوات الإسرائيلية ليلة هروب "البطل"!!
للسوريين حق في الاحتفال بتحررهم من نظام وحشي وطائفي، حتى وإن كان القادم يحمل تحديات جسيمة. سوريا اليوم على مفترق طرق: إما نظام للجميع يكرس قيم المواطنة والعدالة، أو فوضى تعصف بمستقبلها، أو الارتهان لتفاهمات وولاءات خارجية لا تحمل سوى مزيد من الذل والانقسام. الطريق صعب، لكن الأمل في الحرية لا يموت.
لا نعرف إذا كان المستبدون في المنطقة العربية سيتعلمون من درس الأسد، هل سيغيرون المقاربة وهل سيدركون أن العروش التي تبنى على جماجم الشعوب مهما استمرت، تظل قابلة للسقوط مع أول هزة رياح شعبية.