النمري يكتب: التحديث السياسي في النواب .. خطوة اولى ناجحة

  

جميل النمري
 

لأول مرة في تاريخ المجالس النيابية يجري تشكيل لجان المجلس بالتوافق. بالنسبة للجمهور هذا خبر لا يساوي حبر كتابته فما بالك الاحتفاء به. لكن لمن يعرفون الشأن البرلماني من الداخل فالأمر ليس مهما فحسب بل يمثل انجازا لافتا وإنجاحا لمشروع التحديث السياسي في أول تطبيقاته على مجلس النواب الجديد.

لتوضيح المقصود دعونا نشرح التالي. في البرلمان تعتبر اللجان مطبخ التشريع وتعبر عن ارادة المجلس بوجود ممثلين عن جميع الكتل البرلمانية فيها. والنائب عضو اللجنة يعود الى كتلته ليضعها بصورة العمل في لجنته ويحصل منهم على تغذية راجعة ويعود الى اللجنة ليعبر في رأيه وتصويتاته عن موقف الكتلة وبهذه الطريقة يكون جميع النواب على اطلاع على ما يجري في جميع اللجان بما في ذلك مشاريع القوانين المعروضة.

لكن لحظة انا لا اتحدث عن البرلمان عندنا بل في العالم. نحن شيء آخر هنا لا تتشكل اللجان على اي اساس محدد غير الافتراض النظري بالذهاب الى الخبرة والاختصاص وعمليا فالتسجيل في اللجان يأخذ منحى تحشيد الأصدقاء والمؤيديين الشخصيين من قبل الطامحين لرئاسة اللجنة وعند الانتخابات يكون الحال " طعة وقايمة " وينتهي الاهتمام باللجان بنهاية مهرجان المقايضات والمناورات والمنافسة الشخصية للمناصب على مواقع الرئيس ونائب الرئيس والمقرر.

تعاني اللجان التي ولدت بهذه الطريقة من قلة الاهتمام وغالبا عدم اكتمال نصاب الاجتماعات فالعضو فيها يمثل نفسه فقط وحضوره يعتمد على مدى اهتمامه الشخصي بالموضوع وبعض النواب يأتون في بداية الجلسة للظهور في خبر التصوير التلفزيوني ويغادرون بعدها. ويأتي معظم النواب للجلسة العامة دون فكرة مسبقة عن القانون ويداخلون بما يحضر في ذهنهم وقتها. لا تنسق الكتل المواقف ولا التصويتات وقلما يكون للنقاش اثر في اتجاهات التصويت وهي محسومة غالبا بإستثناء ما تصنعه بعض المداخلات المفصلية من اثروغالبا ما تكون الاقتراحات البديلة بنت ساعتها وبصياغات مرتبكة غير مدروسة.

كانت مطالب الاصلاح على جدول اعمال كل مجلس نيابي لكن قلة من النواب كان لديها المعرفة والاهتمام بمحتوى الاصلاح المطلوب وقدامى النواب المخضرمين لم يرغبوا بتغيير النمط الذي تقوم عليه خبراتهم وقدراتهم في برلمان يقوم على الفردية والتشتت ربما بإستثناء النائب المخضرم بسام حدادين وكان يتقدم كل مرّة بمقترحات متكاملة لتعديل النظام الداخلي للمجلس يستند الى تجارب البرلمانات العريقة لكن توجب الانتظار حتى البرلمان السابع عشر وطلب ملكي صريح لمباشرة تعديلات محدودة ابرزها ان يكون تشكيل اللجان بالانتخاب اذا لم ينجح التوافق على اساس التمثيل النسبي للكتل. والحال ان التوافق لم يحدث ابدا واستمر لاسلوب التقليدي في تشكيل اللجان لأن بنية المجلس غير الحزبية وكتله الهلامية لم تكن مؤهلة لدور مختلف.

حقق مشروع التحديث السياسي اول اهدافة بتشكيل 6 كتل برلمانية حزبية التحق بها المستقلون وهم اقل من ربع عدد اعضاء المجلس. وها هو يحقق ثاني اهدافه بتشكيل لجان المجلس بطريقة جديدة ولأول مرة حيث نسبت كل كتلة بنعدل عضوين اثنين لكل لجنة وتم انجاز الأمر ببساطة في جلسة واحدة بالتنسيق بين رؤوساء الكتل التي تفاهمت داخليا على توزيع ممثليها على اللجان وفق الإهتمام والاختصاص. وبهذا تكون كل لجنة تمثل كل الأطياف وكل الأعضاء. ويكون لعضو اللجنة مرجعية ومسؤولية عن الأداء امام كتلته كما يكون للكتلة مرجعية ومسؤولية أمام حزبها أو الإئتلاف الحزبي أي امام جمهور المواطنين الذين يستهدف الحزب أو الإئتلاف كسب ثقتهم وتأييدهم.

ليس ضروريا ان يجري التوافق ايضا على انتخابات رئاسات اللجان المرجح ان تجري اليوم وقد يحسم تحالف اغلبية من الكتل معظم اللجان لكن من المنطق والعدل أن تمنح رئاسة لجنتين على الأقل لكتلة المعارضة الرئيسية ( جبهة العمل الاسلامي ) وكان يمكن تطبيق ذلك على انتخابات المكتب الدائم لكن المناصب الخمسة غطت الكتل الخمسة فيما اختارت الجبهة المنافسة فقط على رئاسة المجلس رغم النتيجة المحسومة سلفا.

بعد هذا النجاح الأول في تطبيق التحديث السياسي على تشكيل اللجان ننتظر الذهاب الى الممارسات الصحيحة في العمل بين الكتل واللجان ولهذا حديث آخر