مسار اصلاح الاستثمار

 


د. يزن دخل الله حدادين

يحتل الاستثمار أهمية كبيرة بالنسبة للأردن، كما أنه يشكل موضوع اهتمام رجال القانون والاقتصاد والسياسة ذلك لأنه يمتد إلى النواحي القانونية والاقتصادية والسياسية حيث أنه يؤثر فيها ويتأثر بها، ويعد تحسين القوانين الداخلية وتوفير الفرص الاقتصادية والانفتاح السياسي للدولة على العالم عوامل جاذبة للاستثمارات من داخل الأردن وخارجها.

لكن في ظل الظروف السياسية التي تمر بها المنطقة والتي تؤثر بشكل مباشر على الداخل الأردني، وفي ظل منظومة التحديث السياسي والاقتصادي التي يعيشها الأردن، يأتي سؤال عن مسار الاستثمار في الأردن على الرغم من المجهودات التي بذلتها الدولة الأردنية في توفير مناخ استثماري ملائم وذلك لجذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير ودعم الاستثمارات المحلية. إلا أن هذه الجهود تجد أمامها حواجز وعوائق تحول دون تحقيق الغاية المرجوة من تلك المجهودات. تستحق هذه التحديات السياسية في لأردن وانعكاساتها الاقتصادية أن تكون موضوعاً للكثير من الد?اسات والأبحاث. وفي هذا المجال لابد من الإشارة الى وجود قلة في تلك الدراسات وأن ما هو متوفر منها كان في غالبيته مدفوعاً بآراء وقناعات شخصية وليس ضمن أسس علمية.

يُعد جذب الاستثمار الأجنبي والحفاظ عليه أمراً معقداً في الأردن لاسيما في المرحلة الاقتصادية التي يمر بها. توضح الأدلة حالة قوية للاستثمار الأجنبي بشكل عام فيمكن للمستثمرين الأجانب توفير فرص عمل، واستقدام رأس المال والتكنولوجيا ونقل المعرفة ودفع النمو الاقتصادي بصورة عامة. غير أن هذه الأهداف والفوائد الناجمة عنها لا تتحقق من تلقاء نفسها وليست مضمونة.

لكن كيف يتسنى لصناع السياسات والأحزاب الأردنية ضمان جذب الاستثمار وضمات أن الاستثمار الأجنبي يساعد على التقدم ويحقق الاستفادة للدولة؟ الواقع أنهم بحاجة إلى وسيلة منطقية للربط بين أهداف الاستثمار والنتيجة النهائية لتلك الاستثمارات. عندما يتغير منهاج الاقتصاد ويتم إنشاء «مسار اصلاح الاستثمار» سيؤدي ذلك إلى تغيير في نهج الأحزاب السياسية وبالتالي يؤثر ذلك على مدى لعب نخبة المال والأعمال، وليس الناخبون فقط، دوراً أساسياً في النظم السياسية.
وهنا أقترح فكرة الانتقال مرحلة الإصلاح الاقتصادي والسياسي التقليديتين ال? مرحلة «مسار اصلاح الاستثمار» في الأردن.

لقد بينت التجارب الاقتصادية لدول العالم وجود فلسفتين اقتصاديتين رئيستين تقدمان أفكاراً متباينة حول دور الدولة في الاقتصاد. من جهة تتبنى الفلسفة الأولى نهجاً يعطي للدولة الأولوية في إدارة الاقتصاد وتدخلها في تنظيم عمله. ومن جهة ثانية تتبنى فلسفة الحرية الاقتصادية نهجاً لتحديد وتقليص دور الدولة في الاقتصاد مقابل إطلاق العنان للقوى الاقتصادية الخاصة في العمل بحرية. وهنا ومن خلال «مسار اصلاح الاستثمار» الذي نقدمه فان الفلسفة التي نتبناها هي الفلسفة التداخلية والتشاركية بين الدولة والأحزاب السياسية. ليس الهدف م? تصحيح المسار هو الاختيار بين الإصلاح السياسي والاقتصادي وبين «مسار اصلاح الاستثمار»، وإنما الربط بينهما عن طريق سلسلة القيمة المضافة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. وهنا خريطة اصلاح الاستثمار يجب الاّ تقتصر على الإصلاح التنظيمي للقوانين المحلية، ولكن ينبغي أن يتم السعي أيضاً لتحقيق الترابط بين القوانين المحلية واتفاقيات الاستثمار الدولية والثنائية التي تحكم على الاستثمار على المستويين المحلي والدولي. تعتبر اتفاقيات الاستثمار الدولية والثنائية أمراً ضرورياً باعتبارها أداة الدولة في التعبير عن س?استها نحو المستثمر من خلال ما تقدمه من ضمانات قانونية وحوافز مالية وضريبية لتشجيع المستثمر وتوفر له مناخاً ملائماً لتوظيف أمواله في الدولة.
يوجد تقدّم ملحوظ حقّقته حكومات الأردن في إصلاح سياسات الاستثمار خلال العقد الماضي لكن من الضروري أن تتجاوز خريطة اصلاح الاستثمار وتصحيح المسار مسألة جذب الاستثمارات البدائية والوعي أن الاستثمار ليس صفقة بل هو علاقة. يحتاج زخم الإصلاحات هذه إلى الاستدامة والتعميق للتمكّن من مشاركة فوائد الاستثمارات مع المجتمع الأردني ككلّ، وبالتالي سيكون لدى الأردن ان تمكنت من تطبيق هذا الإطار على سياساتها ورؤيتها للاستثمار أساس منطقي لتنفيذ استراتيجية لتصحيح المسار الاستثماري الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق نتائج كبير?.

الواقع هنا أنه لا يوجد حل واحد يناسب جميع حالات وضع سياسات فعالة للاستثمار. وقد يكون النهج الذي يحقق النجاح من أجل نوع واحد من الاستثمار في وقت معين بحاجة إلى مراجعة وإصلاح مستمر ليأخذ في الاعتبار التغيرات التي تطرأ على الاقتصاد. وباستخدام إطار معين مثل خريطة إصلاح الاستثمار فإنه يمكن للحكومة الأردنية وضع سياسات تحقق النجاح. كما يجب تحديد التحدّيات وتقديم اقتراحاتٍ حول أولويّات «مسار اصلاح الاستثمار» مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد السياساتية التي تؤثّر على مناخ الاستثمار في الأردن والتركيز بشكلٍ كبير?على كيفيّة استخدام الاستثمار الأجنبي لمساعدة الحكومات الأردنية على تحسين حياة مواطنيها.

ختاماً هنالك وجود لعلاقة ارتباطية موجبة بين الاستثمار الأجنبي وجميع القطاعات في الأردن وفي أي دولة بشكل عام بحيث تؤدي زيادة التدفقات من الاستثمار الأجنبي إلى زياد نمو القطاعات الصناعية والتجارية وغيرها من القطاعات في الأردن. ونوصي بضرورة الاستمرار في تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الأردن مع توجيهها بشكل أكبر إلى مشاريع القطاع الصناعي، وخاصة تلك التي تعمل على تشغيل الموارد المعطلَّة والتي لا يستطيع رأس المال المحلي الاستثمار فيها، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة الاستفادة من المعرفة التكنولوجية?القادمة مع تلك الاستثمارات. وكذلك ضرورة الاستفادة من عملية تحرير التجارة في زيادة الصادرات الوطنية وتخفيض الواردات. كما نوصي بضرورة إجراء المزيد من الدراسات حول أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على مختلف القطاعات الاقتصادية، مثل قطاع الخدمات والسياحة، والذي تنجذب إليه الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير. مما لاريب فيه إن الاستثمار له أهمية في تنمية وتطوير البنى التحتية والمتمثلة بالمرافق الخدمية المتنوعة ومحطات الكهرباء وشبكات الماء والصرف الصحي والطرق. وكذلك يساهم الاستثمار في تطوير القطاع الصناعي وزيادة?التشابكات القطاعية في تحقيق التنمية البشرية وتطوير مهارات العاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة. ولهذا فإن الاستثمار يساهم في نقل وتوطين رؤوس الأموال الى الأردن من خلال جذب الاستثمارات الاجنبية سيما المباشرة التي تسعى الحكومة الأردنية إلى تشجيع المستثمرين على الاستثمار من خلال الامتيازات والضمانات التي تقدم للمستثمرين، وكذلك الاستقرار الامني والسياسي الذي تتمتع به الأردن. إضافة الى توفير سياسات واجراءات محفزة للنهوض بالواقع الاقتصادي الأردني