سيادة الدستور والقانون في فكر الملك .. خطاب العرش نموذجاً

 

د. أشرف الراعي

لم تكن المرة الأولى التي يلقي فيها جلالة الملك عبد الله الثاني خطاب العرش، ويركز فيها على أهمية احترام الدستور، والحفاظ عليه؛ فالدستور هو التشريع الأعلى وهو "أبو القوانين"، وهو الذي يحدد شكل نظام الحكم في الدولة، والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها، إذ تُعد سيادة الدستور، والقانون من أهم ركائز الدول الحديثة؛ فهي الأساس الذي تقوم عليه العدالة، والمفتاح لتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع، وضمان استقرار النظام السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.

يدرك "المطبخ السياسي" في العاصمة عمان أهمية التأكيد المستمر على هذه المبادئ، إذ يُعتبر الالتزام بالقانون والدستور جوهر المشروع الوطني لبناء دولة المؤسسات ومؤسسات الدولة، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين وهو أمر لا يمكن أن يتم إلا من خلال منظومة قانونية عادلة وفعالة، تُطبَّق على الجميع دون تمييز. وقد أكد الملك مراراً أن "سيادة القانون هي أساس لنهضة المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة، لدورها في بناء دولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان".

يؤمن جلالة الملك أن سيادة القانون ليست مجرد هدف، بل هي أداة لتحقيق التنمية المستدامة، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي. وفي العديد من خطاباته، يشدد على أن الاستثمار والتنمية لا يمكن أن يزدهرا إلا في ظل بيئة قانونية مستقرة وتطبق فيها القوانين على الجميع بعدالة ومساواة.. تسهم في توفير الحماية الفاعلة للأفراد والمؤسسات، وتضمن الشفافية والمساءلة، سواء من خلال نظام قضائي مستقل ونزيه يحمي الحقوق والحريات، أو من خلال مؤسسات مجتمع مدني قادرة على التفاعل مع محيطها المجتمعي والتوعية بضرورة الالتزام بالقانون، او من خلال مسؤولين ملتزمون حقاً بتطبيق الرؤية الملكية بحذافيرها.

ووراء ذلك، لا بد من أن نعترف أن هناك الكثير من التحديات التي لا تخفى على أحد؛ فالفقر والبطالة وصلتا إلى أرقام مرتفعة، ولا بد من حلول عاجلة بعيداً عن الواسطة والمحسوبية مع الالتزام بالقانون، وضمان فرص عادلة ومتساوية؛ حيث تشير الأرقام إلى أن "البطالة والفقر تٌكبلان نحو ربع الأردنيين"، وهو رقم مرتفع جداً يتطلب حلولاً عاجلة من أجل مستقبل أفضل وفقاً للرؤية الملكية التي وضعت خارطة طريق منذ فترات طويلة.

وفي سياق الحفاظ على الدستور وتعزيز سيادة القانون أطلق جلالة الملك العديد من المبادرات التي تأتي في هذا الإطار؛ ومنها دعم استقلال القضاء وتطوير آلياته لضمان سرعة وعدالة الفصل في القضايا، وتعزيز دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ومطالبة الجميع بالالتزام بمبدأ المحاسبة دون استثناء، والتأكيد على دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في نشر ثقافة احترام القانون، انطلاقاً من أن الإيمان بأن الدولة الحديثة تُبنى على قواعد واضحة تعزز من قوة مؤسساتها وثقة مواطنيها، فضلاً عن دعم دور المحكمة الدستورية كضامن لتفسير الدستور والفصل في النزاعات الدستورية، مما يعزز من استقلالية القضاء وسيادة القانون، مع التأكيد على أن الدستور والقانون يسريان على الجميع دون استثناء.

ورغم ما تحقق من إنجازات على صعيد تعزيز سيادة القانون في الأردن، إلا أن هناك تحديات ما زالت تعرقل تحقيق الأهداف المرجوة، ومن أبرزها الواسطة والمحسوبية – كما أشرنا - والتي تهدد مبدأ تكافؤ الفرص وتضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، فضلاً عن ضعف الثقافة القانونية؛ إذ لا يدرك الكثير من المواطنين حقوقهم وواجباتهم، مما يؤدي إلى ضعف المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، مع البطء أحياناً في تعديل التشريعات بما يواكب المتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية الجارية في العالم من حولنا.

علينا أن ندرك اليوم أن على مؤسسات الدولة جميعاً أن تضع خططها الاستراتيجية الواضحة نحو تعزيز التوعية القانونية، وذلك من خلال التوسع في إدخال مفاهيم الحقوق والواجبات في المناهج الدراسية، وتنظيم حملات إعلامية تستهدف تعزيز ثقافة احترام القانون، فضلاً عن محاربة الواسطة والمحسوبية عبر تفعيل مبدأ المساءلة وإنشاء آليات رقابية صارمة لرصد التجاوزات، مع دعم المشاركة السياسية من خلال تشجيع العمل الحزبي البرامجي وتمكين المرأة والشباب ليكونوا شركاء حقيقيين في صنع القرار، وليسوا "مجرد ديكور" في الأحزاب، وتطوير القوانين بما يتماشى مع المتغيرات الحديثة، ويعزز من حقوق الأفراد والمجتمع.

إن سيادة القانون والدستور ليست مجرد شعارات، بل هي نهج عمل يجب أن يلتزم به الجميع لتحقيق مجتمع عادل ومستقر، والرؤية الملكية في هذا الإطار تمثل خارطة طريق لتعزيز دولة المؤسسات، وضمان العدالة والمساواة، ومع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، سيكون الأردن نموذجاً يُحتذى به في الالتزام بالقانون والدستور كأساس لبناء مستقبل مشرق.. وهو ما يأمله كل من يحب وطنه.. حمى الله الأردن.