"عمالة الأطفال: انتهاك حقوق التعليم في زمن الأزمات العالمية "

 

الدكتورة هديل محمد القدسي تكتب ؛ 
 


تُعتبر عمالة الأطفال واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في العالم، خصوصًا في ظل الأزمات العالمية التي تؤثر على المجتمعات بشكل عميق. يواجه الأطفال الذين يعملون في ظروف قاسية تحديات كبيرة تعيق حقهم في التعليم، مما ينعكس سلبًا على مستقبلهم.

في أوقات الأزمات، مثل الحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة، تزداد الضغوط الاقتصادية على الأسر، مما يدفعهم إلى إرسال أطفالهم للعمل بدلاً من التعليم. هذه الضغوط تؤدي إلى حرمان الأطفال من فرص الحصول على تعليم جيد، مما يفاقم من مشاكلهم في المستقبل.

تقرير حديث صادر عن منظمة العمل الدولية يسلط الضوء على هذه الظاهرة، حيث أشار إلى أن عدد الأطفال العاملين المحرومين من حق التعليم تجاوز أكثر من 160 مليون طفل.

ووفقاً للتقرير ؛  يعمل  الأطفال المتسربين من التعليم في مجالات مختلفة مثل الزراعة والمناجم والصناعات، حيث يضطرون للعمل لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة. كما يُظهر التقرير أن حوالي 89.3 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عامًا، و35.6 مليون طفل آخر تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عامًا، يعملون في ظروف غير إنسانية.

ويشير التقرير ذاته ؛  انه بين عامي 2020 و2024، شهدت عمالة الأطفال زيادة ملحوظة بلغت 8.4 ملايين طفل. إن هذه الأرقام لا تعكس فقط الأعداد المتزايدة، بل تعكس أيضاً الأبعاد الإنسانية المأساوية التي يعاني منها الأطفال في ظل الظروف الصعبة. هذه الأرقام تعكس واقعاً مؤلماً وتثير قلقاً كبيراً حول تأثير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على حقوق الأطفال.

ويوضح التقرير، كان عدد الأطفال العاملين في العالم مستقرًا قبل جائحة كورونا، إلا أن الوضع شهد تغييرات ملحوظة في السنوات الأخيرة نتيجة للعديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية. إذ تشير التقديرات إلى أن العديد من الأطفال الذين تسربوا من التعليم بسبب الظروف الصعبة أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على العمل لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والرعاية الصحية. لقد أثرت الجائحة بشكل كبير على عمليات الإنتاج وسلاسل التوريد، مما أدى إلى فقدان العديد من فرص العمل للبالغين، وبالتالي دفع الأطفال إلى سوق العمل كبديل. في سعي بعض الدول والشركات لتعويض الآثار السلبية للجائحة بسرعة، تم تجاهل حقوق الأطفال، حيث اعتُبروا قوة عمل رخيصة وغير محمية


ففي عصرنا الحالي، أصبح الهوس بالإنتاج أحد السمات البارزة للمجتمعات الحديثة، حيث يُعتبر تحقيق الربح وزيادة الكفاءة من الأهداف الرئيسية للعديد من الشركات. هذا الهوس الذي امتد ليشمل الأطفال، دفع بعض الشركات إلى البحث عن طرق لتقليل التكاليف، مما يؤدي إلى استغلال الأطفال كعمالة رخيصة.

هذا الاستغلال يساهم في تفشي الفقر، حيث يُجبر الأطفال على العمل لساعات طويلة في وظائف منخفضة الأجر، مما يعيق تطورهم الشخصي والاجتماعي. إن هذه الممارسات لا تؤثر فقط على الأطفال المعنيين، بل تؤثر أيضًا على المجتمع ككل، حيث تساهم في استمرارية دورة الفقر وتفشي عدم المساواة. لذا، يجب أن نعمل جميعًا على تعزيز الوعي وتطوير سياسات فعالة تدعم حقوق الأطفال، مما يضمن لهم فرصة النمو والتعلم في بيئة آمنة ومستدامة.

إن الاستثمار في تعليم الأطفال هو استثمار في مستقبل البشرية، ويجب أن يكون من أولوياتنا في جميع الأوقات، خاصة في أوقات الأزمات. لتحقيق ذلك، يجب على الحكومات والمجتمعات المدنية والشركات العمل معًا لوضع حد لهذه الممارسات الظالمة، وضمان أن يكون لكل طفل الحق في التعليم، مما يفتح أمامهم آفاقًا جديدة ويعزز من قدراتهم على الإسهام في بناء مجتمعاتهم