بين العشق وقواعده والبشر ووجوههم المتعددة...

إبراهيم أبو حويله

أقرأ فلن تعدم فائدة حتى لو قرأت في هذرات البشر ...

تختلف الفائدة بين كتاب دسم وكتاب هزيل، بين كاتب من العيار الثقيل وأخر من وزن الذبابة، ولكن في القراءة لن تعدم فائدة، فكيف إذا كان الكتاب هو قواعد العشق الأربعون، للكتابة ألف شفق وقد بيع من الرواية أكثر من نصف مليون نسخة.

هناك وجوه للحقيقة، وهناك تصورات لها وليس كل تصور هو كل الحقيقة، ولا تنحصر الحقيقة في تصور واحد، ولذلك ترك الإسلام الباب مفتوحا في كثير من القضايا، وحدد في قضايا أخرى لم يترك فيها مجال للخيار، وهنا يستحضرني قول الدكتور محمد راتب النابلسي ( ما أراده الله محكما أنزله في آيات محكمة لا تحتمل التأويل ، وما أراد له أوجه أنزله في آيات تحمل أوجه ).

ولكن مع هذا قد تركب الصعب، تريد أن تجمع أمرا جللاً وأمر جللا أخر فتأتي بالعجب، فلن تكون الحانة في يوم محرابا للعاشقين، حتى ولو وضعتها في قواعد العشق الأربعين، ستبقى الحانة حانة، ولن يكون شرب الخمر من ولي مقبولا، كما هو ليس مقبولا من سكير.

ومقبول أن تسعى لتطهر قلبك من كل عشق وحب، وتخلص في الحب للواحد الأحد، وليس مقبولا في سبيل إثبات الحب للواحد الأحد، أن تظهر الإزدراء والتمرد على ما جاء به الواحد الأحد.

فالشرائع لم توضع للعباد، وتم إستثناء العاشقين منها، وإلا فكل فاسق عاشق بطريقة ما، وتظهر عندنا أبواب في العشق بعدد فساق الخلائق، فعلى العاشق أن يراعي الشرائع والأخلاق والخلائق، وليس مقبولا منه تجاوزها، في سبيل إثبات عشقه، وتخلصة من العلائق الأرضية، فهذه العلائق الأرضية منها الحرص على السمعة، وإجتناب أمكان الشبهة، والترفع عن أماكن اللهو، والخلائق هم من الشهود كما قال صل الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (أنتم شهداء الله في أرضه ).

ولكن هل نحن بحاجة إلى العشق في العلاقة مع الخالق، ما أحوجنا إلى تتحول علاقتنا مع خالقنا إلى علاقة عشق ووجد وحرص، يتجاوز حدود الأمر والنهي فتلك للمكلفين، وحتى نصل لا بد من العشق والحب فهنا يسقط ما يرتبط ما يرتبط بالتكاليف من أعباء،  وتبقى لذة الغبادة والقيام بالعمل حبا وكرامة.

فلن تنفذ أوامر الخالق قبل أن تعرفه، وإذا عرفته تجاوز حبه حب الأب والأم، وتجاوز حب البشر والحاجة إلى البشر، وإذا عرفته تحملت في سبيله ما لم تكن قادر على تحمله سابقا.

فما أراه اليوم من تجاوزات وإحتيال على أوامر الله، وتوظيف للشريعة حسب رغبات هذا او ذاك، أو وفق هوى هناك، إلا في الحقيقة عجز عن معرفة الخالق، وقدرته وصفاته فضلا عن عشقه، ولو وقع العشق الحقيقي من المعبود، لتحمل العبد في سبيل خالقه ما لم يكن قادر على تحمله سابقا.