دونالد ترامب وكامالا هاريس والانتخابات الرئاسية 2024

 

ممدوح سليمان العامري
 

يعتبر نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية أحد أكثر الأنظمة الانتخابية تفرداً وتعقيداً في العالم، حيث يعتمد النظام على مبدأ المجمع الانتخابي (Electoral College) بدلاً من التصويت الشعبي المباشر، مما يعني أن الرئيس يتم اختياره من قبل مجموعة من الناخبين يُعرفون بالناخبين الرئاسيين. 
يصوت الناخبون اليوم الثلاثاء 5 تشرين ثاني، حيث يقوم المواطنون الأمريكيون بالإدلاء بأصواتهم لاختيار الرئيس ونائبه، ويتمتع نظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية بخصوصية المجمع الانتخابي، فلكل ولاية عدد محدد من الناخبين الرئاسيين يساوي مجموع عدد أعضاء الكونغرس (مجلس النواب + مجلس الشيوخ) الذين يمثلون الولاية، ويُخصص المجمع الانتخابي 538 صوتاً يتم توزيعها بين الولايات بناءً على عدد السكان.
يقوم الناخبون الرئاسيون بالاجتماع في عواصم ولاياتهم في كانون أول للإدلاء بأصواتهم بناءً على نتائج التصويت الشعبي في ولاياتهم، ويكون الفائز بالرئاسة هو المرشح الذي يحصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي (270 صوتاً على الأقل).
في انتخابات 2024، نجد أن توجهات مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب ومرشحة الحزب الديموقراطي كامالا هاريس تمثل نهجًا سياسيًا متباينًا يعكس اختلافات جوهرية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وهنا أود أن ألقي الضوء على أبرز هذه الاختلافات في قضايا الهجرة، والسياسة الخارجية، والحقوق الاجتماعية، والاقتصاد، والمناخ، والرعاية الصحية، وحقوق امتلاك السلاح.
فيما يتعلق بالهجرة يسعى دونالد ترامب لفرض سياسات هجرة صارمة، يدافع فيها عن الأمن الحدودي وتقليص الهجرة غير القانونية، إذ يرى أن هذه الإجراءات تقلل من معدل الجرائم وتوفر فرص العمل للأمريكيين، في المقابل، تعتقد كامالا هاريس أن إصلاح نظام الهجرة يجب أن يشمل تسهيل حصول المهاجرين المؤهلين على الإقامة والجنسية، خصوصاً "الذين يعيشون الحلم الأمريكي" والذين قدموا إلى الولايات المتحدة في سن صغيرة، معتبرةً الهجرة عنصرًا يثري المجتمع الأمريكي ويدعم الاقتصاد.
وفي السياسة الخارجية، يطرح ترامب رؤية تبتعد عن التدخلات الخارجية، ويعبر عن رغبته في إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، معتبرًا أن الحل يكمن في المفاوضات لتفادي تأجيج التوترات مع روسيا، وعلى النقيض من ذلك، تؤكد هاريس على ضرورة مواصلة الدعم لأوكرانيا في مواجهة التهديد الروسي، مشددة على أن هذا الالتزام يحمي الديمقراطيات الصاعدة ويعزز موقع الولايات المتحدة كمدافع عن الحرية.
وفي مجال الحقوق الاجتماعية والاجهاض يعارض ترامب التدخل الفيدرالي في هذه القضايا، ويدعم إعطاء الولايات حرية اتخاذ قراراتها، في حين أن هاريس تتبنى موقفًا يعزز حقوق المرأة في الاختيار، وتدعو لإعادة حماية هذا الحق بشكل فيدرالي، معتبرةً أن وضعه تحت سيطرة الولايات يهدد حرية النساء ويعكس تراجعًا عن مكتسبات حقوق الإنسان.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد والضرائب فيركز ترامب على تخفيض الضرائب على الشركات ورجال الأعمال والأثرياء، مؤكدًا أن هذه السياسات ستساهم في إنعاش الاقتصاد وتوليد فرص عمل جديدة. على العكس، بينما تسعى هاريس لرفع الضرائب على رجال الأعمال والأثرياء والشركات الكبرى، وترى أن هذه الأموال يجب أن تُستخدم في دعم البرامج الاجتماعية كالتعليم والرعاية الصحية لتحقيق توزيعٍ عادلٍ للثروة وتحقيق دعم أكبر للطبقة المتوسطة.
تؤكد سياسات ترامب الاقتصادية على دعم الصناعات المحلية ورفع القيود البيئية التي يعتبرها باهظة، وتدعم استخدام الوقود الأحفوري بهدف تعزيز استقلالية الاقتصاد الأمريكي، فيما تعتقد هاريس أن تحول الاقتصاد إلى الطاقة النظيفة والاستثمار في الاستدامة المناخية يوفر فرص عمل جديدة، ويدعم الاقتصاد على المدى الطويل في مواجهة التحديات البيئية.
وفي المجال الصحي والاجتماعي يفضل ترامب تقليل دور الحكومة في تقديم الرعاية الصحية ويدعو إلى تشجيع القطاع الخاص في هذا المجال، بينما هاريس تتبنى توسيع نطاق الرعاية الصحية، خاصةً للأسر ذات الدخل المحدود، وتؤيد برامج دعم اجتماعية شاملة، معتبرةً أن الوصول إلى الرعاية الصحية حق أساسي يجب أن يتمتع به الجميع.

ويرى ترامب أن حرية حيازة الأسلحة من الحقوق الأساسية للأمريكيين، ويرفض تقييدها بقوانين صارمة، وعلى النقيض تسعى هاريس للتشديد في قوانين امتلاك الأسلحة، خاصةً الأسلحة الهجومية، مشيرةً إلى أن هذه السياسات تساعد في مكافحة العنف المسلح الذي يعد من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الأمريكية.
الفروقات بين ترامب وهاريس تعتبر امتداد للتيارات الفكرية داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث يسعى الجمهوريون لتقليل دور الدولة في إدارة الاقتصاد والصحة والحقوق الفردية، بينما يدعو الديمقراطيون إلى توسيع سياسات العدالة الاجتماعية والاستثمار في الاستدامة، وهذه الانتخابات ليست مجرد اختيار رئيس جديد، بل هي انعكاس لرؤية الشعب الأمريكي حول مستقبل البلاد وأولوياتها الأساسية، مما يجعلها محطة مهمة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.