الغباء السياسي للمحافظين الجدد في أمريكا

 

الدكتور علي حياصات

تُعَدُّ حركة المحافظين الجدد واحدة من أبرز التيارات السياسية التي ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية خلال ستينيات القرن العشرين، مُؤَسَّسة على خلفية من الصقور الليبراليين الذين سعوا إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية. شهدت هذه الحركة صعوداً ملحوظاً خلال الإدارات الجمهورية منذ السبعينيات، لكن ذروتها كانت في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، حيث لعبت دوراً محورياً في اتخاذ قرار غزو العراق عام 2003.
من بين أبرز رموز هذه الحركة الرئيس بوش الابن ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، بالإضافة إلى مجموعة من المستشارين مثل إليوت أبرامز وريتشارد بيرل وبول بريمر. هؤلاء الأفراد ساهموا في صياغة سياسة خارجية اتسمت بالعدائية والمغامرة، مما أدى إلى تداعيات سياسية واقتصادية لا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم.
يُعتبر الغباء السياسي من الصفات التي تُميز المحافظين الجدد، حيث أظهروا تفضيلاً للمصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة للولايات المتحدة. قراراتهم غير المدروسة، وخاصة فيما يتعلق بغزو العراق، أدت إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. فقد سقط العراق في فوضى عارمة، مما أتاح لإيران توسيع نفوذها في المنطقة، وأصبح من السهل عليها استباحة أربع عواصم عربية بعد انهيار النظام العراقي.
نتيجة لسقوط العراق وغيرها من العواصم العربية تحت النفوذ الإيراني، أصبح النظام الرسمي العربي، الذي يعد حليفاً للولايات المتحدة الأمريكية، في موقف ضعيف أمام هذا التحدي. وقد أثر ذلك سلباً على جهود الولايات المتحدة في تعزيز العملية السياسية السلمية، خاصة فيما يتعلق بمبدأ حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهذا التطور أدى إلى إحداث تغيير جذري في المعادلة الجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط بشكل عام.
امتاز المحافظون الجدد بقصر النظر وعدم القدرة على رؤية النتائج طويلة المدى لسياساتهم. رغم قيادتهم لأقوى دولة في العالم، إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق الاستقرار السياسي سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، ساهمت سياساتهم في تفشي الانقسامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية , وما نراه اليوم في سباق الانتخابات الامريكية الحالية من انقسامات غير مسبوقه هي مجرد ارهاصات لسياساتهم الغبية تلك ، أما على الصعيد العالمي باتت الولايات المتحدة الامريكية مُعَرَّضة لتحديات أكبر في منطقة الشرق الاوسط بسبب الفراغ الذي تركته في العراق.
يمكن القول إن تجربة المحافظين الجدد تمثل درساً قاسياً في السياسة ، حيث أظهرت كيف يمكن لقصر النظر والاهتمام بالمصالح الشخصية او البحث عن ادوار شخصية في العمل السياسي أن يقود إلى نتائج كارثية. لم يعد لهذا التيار تأثير يذكر على الساحة السياسية الأمريكية، بعد أن جلبت سياساته قصيرة النظر العديد من الأزمات على امريكا والعالم.