هذا هو الخطر الحقيقي وهذا هو العلاج

 

حسن البراري

ما زلنا في سياق إدارة الأزمة وربما إدارة الضرر، لكن أخشى ما أخشاه أن ننتقل إلى مرحلة إدارة الفوضى. فالمرحلة القادمة ستكون حاسمة والكيس من اتعظ بغيره، وربما هناك ضرورة قصوى لقرارات مؤلمة وحاسمة. من المناسب أيضا التذكير أن الأمن الوطني لا يتحقق ولا يكون مستقرا من دون أن يكون جزءا من الأمن القومي، فحاصل مجموع الأمن الوطني للدول العربية لا ينتج أمنا قوميا والعكس صحيح إلى حد كبير.

للأسف الشديد، غابت مفاعيل الأمن القومي بعد أن غردت دول وازنة خارج السرب وبدأت ترى بان أمنها الوطني أهم ويتحقق من خلال الشراكات مع الغرب وحتى إسرائيل - بعد أن تحالفت معها دول الاتفاقيات الابراهيمية-، وقد يكون ذلك صحيحا نوعا ما لكنه حتما على المدى القصير وبالشكل الذي لا يعالج التهديدات الحقيقية.

فالدول التي تفكر هكذا هي ذاتها الدول التي تتلقى السلاح من الولايات المتحدة. ويبقى السؤال هل تمكنت دولة - أي دولة - من استخدام سلاحها الأمريكي ضد إسرائيل؟!! فمئات المليارات التي تنفق على السلاح الأمريكي لا قيمة لها ولا يمكن أن تحقق الامن الوطني على المدى البعيد. فهذا السلاح موجه فقط لعدو مختلف، حقيقي أو متخيل، لا فرق! لكن هذا السلاح لا يرى بإسرائيل عدوا، والطامة الكبرى أن إسرائيل ليست عدوا فحسب بل في جعبتها من مخزون ايدولوجي واطماع تحول العدو إلى تهديد حقيقي على المديين المتوسط والطويل.

فكرة أن دولة الكيان يمكن دمجها في المنطقة فكرة سخيفة ومضللة، فقادة إسرئيل وحتى الصهانية الاوائل لا يفكرون هكذا، خذ مثلا مقالين لجابوتنسكي عن الجدار الحديدي, خذ مثلا مقال اسحق ابشتاين في (The Hidden Question)، وخذ مثلا رواية مؤسس الصهيونية هيرتزل (The Old New Land)،  وحذ مثلا كتابي نتنياهو شخصيا عن مكان بين الأمم وكيف للغرب أن يهزم الارهاب! وخذ مثلا مقالين لاسحاق شامير في مجلة الفورين أفيرز!  هل أجرينا دراسة لصورة العربي في المدارس الدينية الحاكمة مثل مركاز هراف في القدس وهل فهمنا المسرح اليهودي وكيف يقدم صورة الآخر العربي؟! ومن قال أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تمثل هذه التوجهات؟ هل قرأنا رسائل بن غوريون لإبنه؟ لا استطيع في هذه العحالة أن استعرض كل ذلك، لكن بالمختصر هناك فكر استراتيجي ثابت وهنا لا اتكلم عن ايدولوجيا مغلقة هنا أو هناك.

كل من يطالب بدمج إسرائيل في المنطقة لا يفهم في السياسة ولا في الفكر الجيوبوليتيكي مثقال ذرة، فالجدران العالية هي من تصنع جيران طيبين وهذه الجدران لا يمكن تشييدها بالامن الوطني فقط وانما بالأمن القومي.