تحديات الأمن الوطني الأردني
د. يزن دخل الله حدادين
يواجه الأردن محيطاً إقليمياً مضطرباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً. وفي ذات الوقت يعاني الأردن الذي تأثر بشدة جراء النازحين من العراق وسوريا، أوضاعاً اقتصادية صعبة فاقمتها جائحة كوفيد-19 وديون فاقت خمسين مليار دولار. كما يعاني اقتصاد المملكة جراء تأثير الحرب في غزة التي دخلت مؤخراً في عامها الثاني، ولا سيما في قطاع السياحة الذي تشكل مداخيله نحو 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
الاّ أن الظروف المعقدة مكنت الأردن من لعب أدوار إقليمية وتاريخية في الصراعات والحروب على رغم الموارد المحدودة والمساحة الصغيرة والإمكانات المتواضعة، منها الدور المحوري في القضية الفلسطينية ومواجهة عمليات التسلل وتهريب المخدرات التي باتت تشكل حلقة في سلسلة التحديات الأمنية. ومنذ زمن طويل كان الأردن أحد أطراف الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني لاعتبارات عديدة، فأصبح طرفاً في أي مشروع لتسوية القضية الفلسطينية وحل الصراع العربي–الإسرائيلي، وشكل ذلك عبئاً سياسياً ودبلوماسياً على المملكة. كما أن الحرب على غزة كشفت كثيراً في الداخل الأردني وأظهرت حجم الخطر الذي يهدد أمن الأردن وهذا الأمر أوجب إلى تعريف المصالح العليا للدولة وبناء جبهة أردنية محصنة.
يلعب الأردن الدور المعتدل في المنطقة وهو ما ينسجم مع رؤية العديد من الدول ذات الدور الإقليمي، وفي ظل الضغوطات الداخلية والخارجية فان الأردن قادر على تهدئة الأوضاع الداخلية والحفاظ على الاستقرار الدبلوماسي الدولي حيث أن الأردن دولة لها تاريخ طويل في مواجهة التحديات الإقليمية.
ويعتمد استقرار الأردن المشهود على تماسك شعبه وقوة مؤسساته وحِكمة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. لكن سر صمود الأردن في وجه ما يحدث من صراعات كبيرة في المنطقة هو السياسة الخارجية المتوازنة التي ينتهجها جلالة الملك والقائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ورفض تدخل الغير في شؤون الأردن الداخلية ومبدأ حسن الجوار. إن قوة الأردن تكمن في حكمة القيادة الهاشمية، التي أثبتت عبر السنوات قدرتها على حماية الأردن خلال الأزمات والعبور بها الى شواطئ الأمان. بالإضافة إلى ذلك، الثقة بقدرة مؤسسات الدولة المختلفة، وعلى رأسها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، تُعد عوامل أساسية تساهم في الحفاظ على الأمن الوطني والتصدي لأي تهديدات داخلية أو خارجية.
يتم وصف الأجواء السياسية في الأردن بأنها متوترة جداً ومشحونة بالحزن والغضب رداً على الحرب المستمرة في غزة، وهذا أمر طبيعي فعلاوة على الحدود الجغرافية والروابط العربية المشتركة يرتبط الأردن وفلسطين بعلاقات ديموغرافية وثقافية قوية. الاّ أن الموقف الرسمي للدولة الأردنية جاء منسجماً مع المشاعر الشعبية الغاضبة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية. لكن الأمر لا يخلو من أصحاب الأجندات الخاصة التي تطالب بفتح الحدود وتقوم بافتعال مصادمات مع رجال الأمن والدرك، والقيام بعمليات تخريب وتكسير لبعض الممتلكات الخاصة والعامة وإحراق الإطارات وإغلاق الشوارع في مناطق عديدة في المملكة.
وبالرغم من ذلك فان موقف الأردن ثابت اتجاه القضية الفلسطينية وقد أصدر جلالة الملك بالإضافة إلى وزير الخارجية الأردنية إدانات متكررة وعلنية لسلوك إسرائيل، وتصاعدت لهجته وركز على نقطة واحدة جوهرية وهي أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن الأردن رافض ومتخوف جداً من مسألة التهجير القسري للفلسطينيين في مناطق السلطة الفلسطينية الى الأردن. فجهود الأردن لا يستطيع أحد أن ينكرها والتي تشمل لقاءات واتصالات وجولات على المستوى العالمي والإقليمي التي لم تتوقف منذ السابع من تشرين الأول 2023 بالإضافة الى المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية وهذا ليس استعراضاً لحجم الجهود الأردنية بقدر ما هي وصف لواقع الحال.
ان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية يمثل مصلحة عليا للدولة الاردنية، مثلما أن احلال السلام الشامل والعادل والدائم يشكل خياراً استراتيجياً للعرب وللأردن.
يجب الوعي بأن الأمن الوطني الأردني يواجه تحديات خطيرة لا يمكن إغفالها من قبل دوائر التخطيط السياسي والأمني. فالأردن يعيش ضائقة مالية وأزمة اقتصادية حادة ووضعاً سياسياً حسّاساً وصراعات إقليمية متصاعدة وتحديات سياسية محيطة باللاجئين وتحديات داخلية قد تؤدي جميعها مستقبلاً إلى مزيد من الاحتقانات الاجتماعية والسياسية والأمنية.
باختصار يواجه الأردن تحديات متزايدة تهدد أمن حدوده واستقراره، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، بدءاً من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلى جانب حملات عسكرية في الضفة الغربية، والمواجهات في جنوب لبنان، وصولاً إلى مساعيه في التصدي لعمليات تهريب المخدرات والسلاح عبر حدوده. ولكن الأردن لن يقبل بأية ترتيبات أو أُطر لا تصون وتلبي بشكل كامل مصالحه العليا والحفاظ على الأمن أو أية ترتيبات تمس أمن أبنائه وبناته أو سلامة أراضيه أو تؤثر عليها بأي شكل من الأشكال.