هل بدأ الرئيس الأسد بإنهاء الوجود الإيراني في سوريا؟

{title}
أخبار الأردن -

عمر الرداد

ربما تجد مقولة: "السابع من أكتوبر الماضي ليس كما بعده"، لا تنسحب على إسرائيل وحماس فقط، بل وعلى المنطقة وإيران والعواصم العربية التي طالما تباهت بالسيطرة عليها "بغداد، دمشق وبيروت بالإضافة لصنعاء" ويبدو أن تداعيات ما بعد السابع من أكتوبر بدأت تظهر في مواقف وإجراءات دمشق "المتعبة" تجاه حليفها الإيراني، وبصورة براغماتية جديدة، تحاول دمشق خلالها الموازنة بين مصالحها وتحقيق هدف البقاء بالسلطة، وإعادة الاعتراف بها، إقليميا ودوليا، يترجم مقاربة استراتيجية عربية تجذرت منذ الربيع العربي، تحت عنوان "سوريا أولا".

ومنذ انطلاق طوفان الأقصى، كان واضحا أن الأسد يستلهم صورة لاعب السيرك في رسم مواقفه بدقة، والتي نسجها عبر رسالة موحدة موجهة لكل من يهمه الأمر في تل أبيب وواشنطن وعواصم أوروبية وعربية وإقليمية أنه على الأقل لا يقف إلى جانب المقاومة وحركة حماس، وأنه على استعداد للجم الوجود والنشاط الإيراني في سوريا، وهو مطلب عواصم إقليمية ودولية، ومن المؤكد أن موسكو ساهمت بصياغة هذه الرسالة، ولم تكن لتصدر لولا الضوء الأخضر منها، ويشار هنا إلى أن موقف الأسد من حماس يرتبط بما يوصف في القيادة السورية بـ" خيانة" حماس للقيادة السورية بوقوفها إلى جانب الثورة السورية، التزاما منها بتعليمات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وإدراكها أن انتصار حماس سيصب بمصلحة الإخوان المسلمين" عدو القيادة السورية" اللدود، وهو ما يفسر مقاربات " دبلوماسية" صدرتها دمشق حول رؤيتها لمواصلة دعم القضية الفلسطينية، تنسجم مع مواقف النظام العربي الرسمي، بالحل العادل للقضية الفلسطينية وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، فيما غابت عن دمشق والمدن السورية مظاهرات مؤيدة للمقاومة الفلسطينية، وهو ما يعد إجابة من دمشق على جهود وساطة للمصالحة، سبق وقامت بها طهران بين حماس ودمشق.

تحولات مواقف دمشق لم تتوقف عند حدود امتناعها عن إعلان مواقف مؤيدة لحماس فقط، بل في شكوك إيرانية ترتقي إلى معلومات "مؤكدة"، جاءت نتيجة تحقيقات إيرانية سورية مشتركة، بأن أوساطا استخبارية سورية تعاونت مع إسرائيل "ربما عبر واشنطن وعواصم أوروبية" في تمرير معلومات لإسرائيل، سهلت ضرباتها النوعية التي أسفرت عن تصفية قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق وحولها بالإضافة لقواعد مليشيات إيرانية في الجنوب والشرق السوري، والتي بلغ عددها اكثر من "30" عملية نوعية، كان اخرها العملية التي نفذت في الأول من نيسان الجاري، واستهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق واسفرت عن مقتل سبعة من عناصر الحرس الثوري الإيراني ، من بينهم الجنرال محمد رضا زاهدي، الذي وصفته مصادر رسمية إيرانية بانه "القائد الكبير بفيلق القدس "، وتردد انه كان نائبا لقاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي اغتالته واشنطن في مطار بغداد أوائل العام 2020.

بصرف النظر عن حقيقة قيام أوساط مخابراتية سورية بتمرير معلومات لإسرائيل حول تحركات قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، واذا كانت باطلاع القيادة السورية ومعرفتها، وهو امر مرجح، فانها تعكس ردا من تلك الأوساط على كيفية تعامل القيادة الايرانية مع الساحة السورية، فاجتماعات قادة الحرس الثوري ومخططاته تتم بمعزل عن الجيش السوري، وقياداته الاستخبارية، وكان لافتا ان الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات الحرس الثوري، جاءت بعد تصعيد إسرائيلي باستهداف تشكيلات الجيش السوري في حلب ودمشق وقريبا من الجولان، خلافا لاستراتيجية إسرائيلية كانت تتوخى عدم استهداف قطاعات الجيش السوري، وربما كان ذلك باتفاق بين تل ابيب وموسكو.

من جانبها بدات ايران بالتكيف مع التطورات الجديدة في "الساحة السورية" عبر انسحابات تبتعد معها عن الحدود مع إسرائيل، وتكليف مليشياتها في سوريا بتغطية انسحابها ومواصلة اشتباكات مع إسرائيل، لا تؤثر في تغيير موازين القوى، ولا تشكل تهديدا حقيقيا لإسرائيل، ومن غير الواضح فيما اذا كان هذا الانسحاب بطلب من القيادة السورية، التي تدرك ان التهديد الإسرائيلي اكثر جدية من أي وقت مضى، وانها لا تريد ان تتحول سوريا الى ساحة مواجهة بين إسرائيل وايران، وهو ما يفسر تسريبات بان دفاعات دمشق اسقطت مسيرات وصواريخ إيرانية، اطلقتها ايران باتجاه إسرائيل في عملية "13" نيسان الجاري.

لا شك أن تحجيم القيادة السورية للوجود والتاثير الإيراني يلامس إلى حد كبير مطالبات عربية، وتعهدات قدمتها دمشق خلال القمة العربية التي انعقدت في المملكة العربية السعودية، ويشكل هذا التحجيم مصلحة استراتيجية للرئيس الأسد، وشهادة حسن سلوك مطلوبة عربيا ودوليا، إلا أنّ هذا التحجيم ورغم أنه يحتاج إلى وقت، ويرتبط بصورة مباشرة برغبات موسكو ذات التاثير الأكبر على دمشق، ونتائج الصراع الداخلي في أوساط القيادة السورية "الأمنية والعسكرية والسياسية" وهو ما يعني أنه لن يتم إنجازهذا التحجيم الذي تم بناؤع عبر سنوات، بين يوم وليلة، إلا أن تطورات لاحقة ستكشف مدى جدية هذا التوجه، بما في ذلك عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، وهو ما يتطلب إرسال تطمينات للأسد بترجمة المقاربة التي طرحها العاهل الأردني" الملك عبدالله الثاني" المعروفة بالخطوة مقابل خطوة، والتي تم تبينها في القمة العربية الأخيرة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير