ذلك الاختراق الإعلامي أمام مشروعين عدوين
مالك العثامنة
كثيرا ما كنت أقول للصديق النائب عمر العياصرة إنني أغبطه على قدرته صياغة القول والحديث بهذه البراعة والنباهة وسرعة البديهة الحاضرة فورا لديه، وكنت أمازحه أنني ككاتب مقال أرى في حديثه المنطوق مقالات منسابة بأريحية.
في لقائه الأخير على قناة رؤيا وضمن برنامج نبض البلد، تحدث العياصرة بمجمل دقائق ما حاولت في مقالين "أحدهما في الغد والآخر في موقع عربي" أن أقوله.
في حديثه الذي انساب ببراعة على رؤيا، تطرق العياصرة إلى نقطتين أرى ضرورة التركيز عليهما من بين نقاط كثيرة:
أولا، نحن أمام مشروعين يحاولان إعادة التموضع الإقليمي، وهذا صحيح في سياق تغيرات إقليمية ودولية واسعة وكبيرة. نحن أمام مشروع إسرائيلي يقوده يمين متطرف وتوسعي لا يخفي أهدافه بالسيطرة الإقليمية ضمن شروطه المتطرفة والمستندة بلا مواربة إلى أيديولوجيا متعصبة. ومشروع إيراني تمدد كثيرا عبر "حروب الوكالات" وتأسيس مليشياته التي تحارب عنه في زوايا الشرق الأوسط.
ثانيا: الأردن ليس ساحة ولا يجب أن يكون كذلك، بل عليه ان يعيد تموضع نفسه كلاعب ضمن فريق مقابل يجهض كلا المشروعين ويعمل على تأسيس ذلك الشرق الأوسط الجديد ضمن مفهوم تكاملي لا تبعيات فيه.
المشروع الإسرائيلي واجه حصاده المر في السابع من أكتوبر، وهو حصاد مستحق لتعنت طويل الأمد في استمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني والقمع ورفض العملية السلمية للوصول إلى حلول نهائية تنهي أطول صراع في المنطقة، والمشروع الإسرائيلي يقوده يمين متعصب ومتطرف بالغ الغطرسة حضوره لوحده يهدد المصالح الحيوية الأردنية واستقرار الإقليم كله.
ما بعد لحظة المواجهة والحقيقة التي اصطدم فيها المشروع الإسرائيلي بحصاد سنوات طويلة من أوهامه التوسعية والاستيطانية كانت ذات الغطرسة تقود إسرائيل إلى مزيد من التعنت وقد تعرضت للصدمة المتمثلة في سهولة اختراقها وإحداث جرح عميق في تلك الغطرسة.
الموقف الأردني لم يكن منفردا بطلبه المنطقي والأساسي بوقف إطلاق النار فورا، لكنه كان الصوت الأكثر ارتفاعا في العالم والمنفرد بالتصعيد منذ الساعات الأولى بعد السابع من أكتوبر. العقل السياسي الأردني كان مدركا خطورة التداعيات على مصالحه الحيوية كدولة، وهذا حقه الشرعي، والإدراك لم يكن وليد لحظة ما بعد السابع من أكتوبر بل كان متجليا بتحذيرات مبكرة سابقة ودقيقة بالتنبؤ وعلى مدار سنوات كان آخرها– لمن يريد المراجعة الموثقة- خطاب الملك أمام هيئة الأمم قبل ثلاثة أسابيع بالضبط من واقعة السابع من أكتوبر.
المشروع الإيراني، الذي لا يقل خطورة ولا عدوانية، له أيضا أهدافه بخلق متوالية مجالات حيوية للنفوذ الإيراني تشبه ما نجحت إيران إلى حد كبير في خلقه بالعراق بعد سقوط نظام صدام حسين، والأدوات الإيرانية لم تكن باحتلالات مباشرة بل بتشكيل مليشيات عسكرية ومسلحة ومدعومة دوما من طهران لخلق تلك المجالات الحيوية التي تسيطر عليها طهران بالكامل.
التحذير الأردني من المشروع الإيراني كان أيضا مبكرا ولقي جدلا واسعا حين تحدث الملك عام 2004 عن "الهلال الشيعي" وكان الطرح ضمن رؤية سياسية لا طائفية، خصوصا أن الملك عبدالله الثاني بادر وحاول التقاط اللحظة التاريخية قبل ذلك بعام "عام 2003" بزيارة إلى طهران التي كانت تنعم بالربيع "الخاتمي" الذي لم يطل كثيرا.
الدولة الأردنية لديها حساباتها، وهي حسابات دقيقة ليست وليدة الساعة. مشكلتنا فقط بالهزال الإعلامي الذي لم نعدّ أنفسنا جيدا له.
سياسات التصدي لاختراق الأجواء متفق عليها في الدولة، لكن الخطر لا يزال كامنا مع عدم وجود سياسات حقيقية وصلبة ومانعة لاختراق الفضاء الإعلامي الفارغ والمفرغ من سردية الدولة.