طوفان الأقصى يحطّم وهم الجيش الذي لا يُقهر
نورالدين نديم
بالرغم من الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005م، إلّا أنّ القانون الدّولي لا يزال يعتبر القطاع تحت الاحتلال، وذلك لأن الكيان الصهيوني يتحكّم بشكل كامل ومن طرف واحد بجميع المعابر البرية والمنافذ البحرية والجوية.
وهو أيضاً يُسيطر على الكهرباء والماء والوقود والاتصالات، والعديد من جوانب الحياة.
وعليه فإنّ دولة الاحتلال يتوجّب عليها وفق القانون الدّولي، تأمين سكّأن القطاع باحتياجاتهم الحياتيّة، وتأمين حمايتهم، وتعزيز البنية التحتيّة في مناطقهم.
إلّا أن الكيان الصهيوني المحتل، وبدلاً من ذلك، يقوم بفرض حصار خانق على القطاع، ويمارس الابادة الجماعيّة، سواء من خلال القتل المباشر، أو غير المباشر بمنع المرضى من السفر والعبور إلى المستشفيات خارج القطاع، ومنع تزويد القطاع بالمساعدات المختلفة، ومحاولة فرض سياسة التجويع ليصل إلى مرحلة التركيع.
بدأ الكيان الصهيوني بفرض حصاره على القطاع عام ٢٠٠٦م، وذلك عقب فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشــريعية وزاد من حصاره بفرض مزيد من الرقابة، وممارسة كثير من القتل، بعد سيطرة "حماس" بشكل كامل على القطاع عام ٢٠٠٧م.
وعلى مدى سبعة عشر عاماً، استمرّ الكيان الصهيوني بحصاره على القطاع، وتصنيفه كياناً معادياً، شنّ خلال هذه الفترة أربعة حروبٍ مدمّرة على القطاع، ارتكب خلالها العديد من المجازر، دون أدنى التفاتٍ للضحايا من قبل النظام العالمي بدوله وهيئاته ومنظمّاته.
أعاد الهجوم الذي باغتت فيه حركة "حماس" العدو الصهيوني، بتوقيته ونوعيته، الصراع الفلسطيني الصهيوني، إلى الواجهة من جديد، مسلّطاً الضوء على سنوات مضت ولازالت من الحصار والاضطهاد والعقاب الجماعي، الذي تفرضه إسرائيل على الشعب الفلسطيني بشكل عام، وسكان قطاع غزة بشكل خاص.
ويُذكر أن تاريخ معاناة قطاع غزة يعود إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أصبح القطاع جزءًا من فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني عام ١٩٢٠م. وازدادت معاناة القطاع مع عودة الاحتلال الصهيوني عام ١٩٦٧م، حتى عام ١٩٩٤م وتوقيع ما يعرف باتفاقية "غزة أريحا أولاً".
ولعل ما مرّ على القطاع من معاناة وما خاضه من حروب في كفّة، وما يحدث الآن من حرب صهيونية همجيّة بضوء أخضر دولي، في كفّة أخرى. فما هي الخيارات المتاحة :
إن المعركة الآن معركة وجود لآخر أمل لمحور المقاومة، وما قبل السابع من أكتوبر ليس كما بعده، وهذا ما يدركه الجميع، وعليه فإن الكيان الصهيوني سيستنفذ كامل قوّته في محاولة القضاء على المقاومة وإنهاء أدنى أمل لدى الشعب العربي بشكل عام في التحرر والاستقلال. وبالمقابل فإن دول الطوق تدرك فقدانها أهم ورقة ولعلها الوحيدة الباقية في أيديها، والتي تمكنها من المقايضة بها، والمحافظة على وجودها، وتحقيق مصالحها. أمّا محور المقاومة فيدرك أن القضاء على غزة هو قضاء عليها وإن اختلف التوقيت والترتيب.
وعليه فلن يكون أمامهم خيار إلا الانخراط في الاشتباك الحاصل، ومشاغلة الكيان الصهيوني وإطالة أمد الحرب، لاستنزاف العدو وللضغط على المجتمع الدولي للتوصل إلى تهدئة. لعل هذه هي المرة الأولى التي يتعامل فيها الكيان الصهيوني مع مثل هذا الوضع الذي تُغزى فيها في معسكراتها والمستوطنات والأراضي التي تسيطر عليها.
وتعجز عن الرد المباشر، وحماية أبناء جلدتها، وتظهر بهذا الضعف الذي يسقط فيه جنرالاتها في الأسر، ويعود لها جنود النخبة جثثاً هامدة، مما أثار حالة غضب واحباط داخلي تهدد بانقسام غير مسبوق في المجتمع الصهيوني. لن يكون أمام الصهاينة سوى خيار واحد وهو ممارسة القتل العشوائي، وفرض حالة من الرعب، في ظنهم أنها ستكون رادعة للخارج، ومرضية للداخل.
لكن الخيارات مفتوحة للمقاومة، وليست محصورة في الصمود والدفاع، وإنما تتعداها إلى فرض أمر واقع جديد، وتوسيع تحالفاتها، واستغلال حالة الاختلال العالمي الذي تسببت به أزمة أوكرانيا، وضرب الكيان تحت الحزام، على عدّة جبهات، وفق نظريّة وخز الفيل ومشاغلته، حتى ينزف ويُستنزف ويسقط فتتمكن منه. سيسجل التاريخ أن "طوفان الأقصى" كان فارقاً في تاريخ المواجهة العربية الصهيونيّة، وسيقترن تاريخ السابع من أكتوبر٢٠٢٣ بالسادس من أكتوبر ١٩٧٣م. وأن صخرة المقاومة، وإرادة التحرّر، يتحطّم أمامها، وهم الجيش الذي لا يُقهر. حمى الله غزة، ونصر المقاومة الباسلة.