معظم المترجمين جنود مجهولون..!

{title}
أخبار الأردن -

علاء الدين أبو زينة

‏مر بالأمس «اليوم العالمي للترجمة». ويقول موقع الأمم المتحدة عن هذا اليوم: «يُراد باليوم الدولي للترجمة إتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورا مهما في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين.

إن نقل العمل الأدبي أو العلمي، بما في ذلك العمل الفني، من لغة إلى لغة أخرى، والترجمة المهنية، بما في ذلك الترجمة المناسبة والتفسير والمصطلحات، أمر لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأشخاص». (انتهى الاقتباس)

في الغالب، لا يشعر المترجمون في معظم العالم العربي بأن هذا اليوم يختلف عن أي يوم آخر في العام. ليس ثمة أنشطة تنظم لإلقاء الضوء على الترجمة والمترجمين. ربما يكون ذلك مؤطرا باتجاه تهميش المعرفة والثقافة المعروف، أو ربما يعتبر عمل الترجمة شانًا -لشدة تداخله في الحياة- مفروغا منه. والفكرة الشائعة هو أن الأمة العربية من أقل الأمم ترجمة للآخرين وترجمة لنفسها للآخرين. لكنّها، مثل كل الأمم، تعيش مع الترجمة كحاضر حتمي في كل شيء -عن قصد وغير قصد. إنها تسمع وتقرأ العالم بالعربية، من نصور نشأ الكثير منها بغير العربية. وحضور العرب في العالم بالنسبة للآخرين محدد بترجمته التي يفهمه منها الآخرون.

في الأصل، ينبغي أن يكتب المترجمون شهادات عن عملهم ليستفيد منها الزملاء والمهتمون. أو أن يكتب من يستطيع منهم على المستوى الأكاديمي، في نظرية الترجمة وتطبيقاتها. وينبغي أن يكون «يوم الترجمة العالمي» يوم «عطلة» للمترجم، بمعنى الاستماع والاستمتاع بالاعتراف بعمله، كما قدّرت الأمم المتحدة في الاقتباس أعلاه. لكن الأمور لا تتوقف بالنسبة لمعظم المترجمين العرب عند تجاهل يومهم العالمي؛ ثمة الكثير من الحقوق التي يشتركون في فقدانها مع مترجمي العالم، وتلك التي غمطتها المحددات الخاصة بالثقافة الخاصة.

يعاني مترجمون من عدم الاعتراف. في أغلب الأحيان، يعمل المترجمون خلف الكواليس ولا تظهر الصلة بينهم وبين عملهم. وكثيرا ما يتم التقليل من قيمته الخاصة بوصفه عملا إبداعيا بدرجات متفاوتة. وثمة مشكلات حقيقية تتعلق بالتعويض العادل. ثمة الكثير من المترجمين الذين تعرض عليهم أجور غير مناسبة بالنظر إلى المهارة، والوقت والجهد الذي يستثمرونه في إنتاج ترجمات مميزة. يحدث ذلك كثيرا في مجال النشر، حيث يعامل ناشرون المترجم وكأنهم يتفضلون عليه بنشر عمله، أو تكليفه بعمل، بطريقة مهينة في كثير من الأحيان.

ثمة انعدام الأمن الوظيفي، حيث كثيرا ما يواجه المترجمون، وخاصة المستقلين والمتعاقدين، فرص عمل غير منتظمة تجعل من الصعب حصولهم على دخل ثابت والحصول على المزايا الأساسية للعمل المنتظم.‏ وثمة انتهاك حقوق المترجمين فيما يتعلق بالملكية الفكرية، حين يتم استخدام ترجماتهم أو نشرها من دون إذن أو تعويض. وقد شاع ذلك بشكل خاص في العصر الرقمي، حيث يمكن نشر المحتوى بسهولة من دون إسناد.‏

وقد لا يتمتع المترجمون بالحماية القانونية الكافية أيضا، مما يجعلهم عرضة لنزاعات العقود أو عدم دفع أجورهم أو انتهاك حقوقهم الخاصة بالنشر. ويغلب أن لا تكون الأطر القانونية في بلادنا قوية بما يكفي لدعم المترجمين الذين يواجهون مشكلات من هذا النوع. وهناك أيضا في بعض الحالات تعمد تغييب اسم المترجم عن العمل المترجم حيث ينبغي ان يظهر، مثل أغلفة الكتب التي يترجمها أو المصنفات المهمة والأعمال المنشورة التي ينجزها من أي مستوى. ويستحق المترجمون بذل جهود متضافرة من الحكومات والمنظمات المهنية للدفاع عن حقوقهم في التعويض العادل، والحماية القانونية، والاعتراف بمساهماتهم نحو ضمان معاملتهم بالاحترام والكرامة التي يستحقونها.‏

هناك، بالطبع، قلة من المترجمين المحظوظين الذين تخدمهم ظروف عملهم فيحصلون على نوع من التقدير المادي والمعنوي. لكنهم ليسوا أغلبية بأي حال من الأحوال. معظم المترجمين جنود مجهولون يعيشون وحدهم مع متاعب المهنة. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، تلقيت بالأمس، كمترجم، رسالة نادرة من صديق، الصحفي والكاتب والروائي اليمني صقر الصنيدي، تهنئة رقيقة بعيد الترجمة. شكرًا جزيلًا لصقر. لا يحصل كثيرا أن يقال لمترجم في يوم الترجمة كل عام وأنت بخير كتعبير عن التقدير والاعتراف. كان ذلك حدثا خاصا. وأهنئ بدوري المترجمين العرب وفي العالم، الذين كان العالم ليضج بالعزلة والانفصال والفقر، لولا عملهم.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير