الاخبار العاجلة
عن الديمقراطية ناعمة وخشنة

عن الديمقراطية ناعمة وخشنة

مالك العثامنة

كثير من نخب الكتابة والفكر في عالمنا العربي إياه وما غيره، سفحت على مدار عقود طويلة أطنانا من الحبر تغنيا ومطالبة بالديمقراطية.

هذا مطلب جميل، لكنه أيضا مترف بالمجانية وكما قيل “شعبيا”: الحكي ما عليه جمرك.

لكي نطالب بالديمقراطية علينا أولا أن نكون أصحاب وعي مهيأ لها، ومحاولة استيرادها هكذا وتعليبها بمباني برلمانية أو صناديق إقتراع شفافة وحتى المطالبة بأحزاب من أجل قيامها، ليس أكثر من تضليل وحيلة نحتال فيها على أنفسنا دون سوانا.

لقد كلفت الديمقراطية في مواطنها الغربية تلك المواطن كثيرا من التحولات الدامية والمأساوية حتى وصلت إلى عمق الوعي الجمعي الذي أطلقها وقام بصياغتها في مؤسسات مدنية حديثة تمارسها.

كيف يمكن أن ندعي الديمقراطية فقط لأن هناك مبنى برلمان مثلا، ونواب ندعي أنهم يمثلون الشعب، بينما الحقيقة أن أغلبهم نجح في الانتخابات على أسس قبلية وعائلية أو من منصات أيدولوجيا دينية اختطفت الدين كوسيلة وأداة لتحقيق هدفها باستلام السلطة فقط لا أكثر.

إن ظهور مفهوم النقابات وحده في أوروبا، كان بسبب إرهاصات تاريخية طويلة سبقته تعلقت بطبقات إقطاعية ثم رأسمالية استحوذت على وسائل الإنتاج، فسخرت العمال لخدمتها بطريقة بشعة مما استلزم وعلى فترات زمنية طويلة ظهور مفكرين وعلماء في الإدارة وعلم الاجتماع يبحثون في سبل زيادة الإنتاجية وفي خضم ذلك ظهرت أول مفاهيم الكرامة الإنسانية للعمال، لتتبلور بعد قليل من ذلك إلى أفكار منظمة لحماية الحقوق العمالية التي انتهت بنقابات.

في عالمنا العربي، استوردنا مفهوم النقابة دون أن يكون لدينا طبقات إقطاع مشابهة، ولا وسائل إنتاج حقيقية، فكانت النقابات أجسام غير مفهومة تحولت إلى أدوار مغايرة لطورها الوظيفي، في الأردن مثلا، مجمع النقابات صار ميدانا لتيارات المعارضة السياسية، أما أهل الكار من عمال ومنتسبين، ظلوا بلا مؤسسات تدافع عن حقوقهم المهنية، فضاعت الحقوق.

والأحزاب، كانت في الأصل وليدة لحظتها التاريخية من واقعها نفسه، حيث تحول المجتمعون في الصالونات على حزمة برامج للحكم إلى تيارات موحدة تحولت إلى أحزاب تجمع حولها المؤيدون والأصوات في الانتخابات بغض النظر عن أسماء السياسيين.

أحزابنا تاريخيا كانت إما “فروع محلية” غاية في البؤس لتجمعات عقائدية “ثورية تقدمية” أو صالون “البيك” ما غيره الذي لا يفنى لكن يتجدد ويستحدث دوما بشخصيات متعددة.

المنهجيات في معالجة إدارة الحكم مختلفة ومتوفرة ويمكن التوافق حولها لتأسيس تيارات وأحزاب، ومع ذلك ما تزال الحالة الحزبية موزعة بين “الرفيق المحنط” و “البيك الديناصوري”.

وكذا الديمقراطية في عالمنا العربي، فالقصة ليست بالمباني ولا حفلات الانتخاب، بل بالوعي الشعبي والاجتماعي لمفهوم العلاقة بين الحاكم والمحكومين.

ومن نوادر التراث الديمقراطي أيضا في الأردن، أن مرشحا اعتاد أول التسعينات ان يبدأ حملاته اليومية بخطاب قصير ليوزع بعدها الكنافة(بنوعيها ناعمة وخشنة) على الحضور من أهل القرية.

وذات خطاب، استطرد فيه المرشح وطالت مدة حديثه، فقام شيخ عجوز بين الحاضرين ليصرخ: يا فلان، اختصر كي لا تبرد الديمقراطية فيتغير طعمها.

باختصار..

زرع شتلة أمازونية في الصحراء لا يحولها إلى أمازون، ستموت الشتلة ببساطة. فلنرو الصحراء ونخصبها أولا بالوعي الذي لا يكون بدون تعليم صحي خال من الجهل والتجهيل والغيبيات.

 


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).