الاخبار العاجلة
‏انتبهوا.. أبناؤنا كسروا عصا الطاعة

‏انتبهوا.. أبناؤنا كسروا عصا الطاعة

حسين الرواشدة 

أخشى ما أخشاه أن نُدرج الصرخة التي اطلقها الطالبان (ايهم وراشد )، في رسالتهما لوالديهما،  وللمجتمع والدولة أيضا،  في أدراج اللا مبالاه ، أو في خانة (وأنا مالي ؟)، كما أدراجنا، على مدى السنوات الماضية ، صرخات الانتحار والمخدرات،  والتعليم الرديء ، والبطالة والفقر،  وغيرها من الصرخات والأزمات ،والنصائح و النقاشات ، التي ترددت في فضائنا العام ، وعكست حجم التحولات الكبرى التي عصفت بقيم مجتمعنا وتقاليدنا وتديننا ،  وعلاقاتنا مع بعضنا ، ومع اداراتنا ومؤسساتنا العامة .

أخطر ما حملته الرسالة، بصرف النظر عمن كتبها،  وما سبقها من أحداث ، ثم ما تلاها من تداعيات، هو  أن أبناءنا كسروا  عصا الطاعة و" ريموت" الوصاية ، وخرجوا على السلطة الأبوية والمدرسية ، والاجتماعية والسياسية ، فعلوا ذلك تارة بدافع  الرفض لأفكارنا وواقعنا ،وثقافتنا السائدة،  وتارة أخرى بدافع الانتقام منا ، أو البحث عن عالم خاص لهم ،  يصنعونه بأنفسهم ، وإن شئت الدقة،  فإن مجتمعنا تنازل عن سلطته للأجيال الجديدة : الأسرة والمدرسة والجامعة وغيرها من المؤسسات فعلوا ذلك ، رغما عنهم او بارادتهم، بالصدفة او بفعل فاعل مجهول ، المفارقة أن هذا تزامن مع غياب الفاعلية الاجتماعية،  والعافية العامة لإدارة الدولة ونخب المجتمع،  وبالتالي أفرز الحالة التي عبر عنها الشابان في رسالتهما ، وفي هروبهما ايضا .

السؤال : لماذا كسر أبناؤنا عصا الطاعة ،والوصاية،  او أصبح لديهم -على الاقل - الرغبة بالتحرر منهما ، هل فشلنا ،فعلا ، في تربيتهم وتعليمهم بما يتناسب مع عصرهم ، هل شعروا بالخيبة والخذلان مما نحن فيه،  هل فتحوا أعينهم على عوالم أخرى أدهشتهم،  وربما ألهمتهم،  هل فقدوا الثقة بكل من حولهم ، هل كذبنا عليهم ، ثم اكتشفوا  أن حبالنا مقطوعة ؟ 

الإجابة معروفة سلفا ، لكنني أقصد من كل هذا أننا ،المجتمع والدولة ، نتحمل مسؤولية ما حدث لابنائنا ، وسنتحمل نتائج ذلك أيضا ، هذا ما يجب نستدركه ، لان ما فعلنا بهم سيصب في رصيدنا ، وسندفع ثمنه ، عاجلا أم آجلا.

 جردة واحدة لحساباتنا في كافة القضايا التي تهم الشباب تكفي لفهم ما حدث لابنائنا ، سواء بسبب تقصيرنا في إبراز ما أنجزناه ، أو فشلنا في الإجابة عن أسئلتهم ، وتطمينهم على حاضرهم ومستقبلهم ، خذ ،مثلا ، من يلهم أبناءنا،  وأين ، ومن ،  هي الشخصية الوطنية القدوة التي تمنحهم الهمة والأمل ، لقد هرب الشابان اللذان صدمتنا قصة خروجهما إلى كتاب ملهم (الأب الغني والأب الفقير ) ، كما ذهب بعض أبنائنا الآخرين لنجوم الطرب واللعب ،والتمثيل وأفلام الإثارة والرعب ، لاستلهام قيمة الحياة ، ومعنى المستقبل منهم ، فيما بلدنا مازال عاجزا عن إنتاج الملهم والرمز الوطني ، القادر على جذب جماهير الشباب ، والأهم الملهم "المؤسسي "الذي يستطيع انتزاع ثقتهم واعتزازهم  به.

خذ مثلا ثانيا ، ما الهدف الذي يفكر أبناؤنا بإنجازه، أخشى أن أقول : إن معظم الشباب أصبحوا اليوم بلا هدف ،وبلا مستقبل ، بعضهم كفر بالشهادات وبالتعليم ، واصبح يفكر بالحصول على المال بأية وسيلة ، آخرون قرروا الهجرة للخارج ، مجرد الحصول على تأشيرة الهجرة اصبح حلما لآلاف الشباب،  حالة التيه هذه ، يفترض أن تحرك فينا الخوف على هذا الجيل الذي لم نفلح  بوضع ما يلزم من خرائط تدله على الطريق الصحيح ، أو تجدد فيه ثقته بنفسه وبلده .

بقي لدي كلمة أخيرة لابنائنا ، صدقوني ، بلدنا مازال بخير ، كل ما يحتاجه أن نخرج جميعا من دائرة الشك والخوف ، واليأس والسواد ، والعجز والتخبط، ثم نلتقي على  مشتركاتنا الوطنية  التي تسعفنا في بناء غد يليق بنا ، نحن ، الدولة بإداراتها والمجتمع بنخبه،  قادرون -إن اردنا - على إحياء همة أبنائنا ،وزرع الأمل في قلوبهم ، وتطمينهم على مستقبلهم داخل وطنهم ، نحن نستطيع ( متى تحررنا من عقدنا الاجتماعية والسياسية ) أن نقدم له قادة وقدوات ملهمين ،  ومشروعات يستثمرون فيها طاقاتهم،  وخدمات عامة تساعدهم على الاحساس بالتقدير  ، وتحفظ كرامتهم، لكي يخرجوا من محنتهم ، التي هي محنتنا جميعا ، فهل نتحرك؟ قولوا آمين


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).